ما برح القادة الإيرانيون يحذرون وينذرون من الأخطار الخارجية التى يقولون إنها تهدد إيران، جاعلين من هذه التهديدات الوهمية شماعة تحمّل عليها جميع الأزمات والإخفاقات التى مرت ومازالت تمر بها إيران جراء السياسات الحمقاء لنظامهم، ويقارن المعارضون الإيرانيون بين حجم المخاطر الداخلية الناجمة عن الممارسات القمعية والانتهاكات القانونية بحق مكونات الشعوب الإيرانية وبين خطر التهديدات الخارجية التى يتم تهّويلها من قبل قادة النظام الإيرانى، ويستخلص هؤلاء المعارضون أن الخطر الحقيقى الذى يهدد بلادهم يأتى من الداخل بالدرجة الأولى، وهذا ما قد يساعد على تعاظم الخطر الخارجى، إذ يعتقدون أن سياسات النظام هى التى قادت وتقود البلاد إلى تعاظم الخطر الداخلى ومنها على وجه الخصوص تلك الانتهاكات التى مورست وتمارس بحق الشعوب والقوميات غير الفارسية التى تمثل الأغلبية العظمى من سكان إيران البالغ عددهم أكثر من سبعين مليون نسمة. فبعد انتصار الثورة على نظام الشاه شاعت أجواء من التفاؤل بين هذه الشعوب والقوميات اعتقاداً منهم أن السياسات العنصرية والطائفية التى كانت تمارس ضدهم فى عهد الشاه قد ولت، وسوف لن يشاهد لها أثرًا فى عهد النظام الجديد الذى اتخذ من “الإسلام” عنوانا له، فما هو ثابت فى الشريعة أن العنصرية عدوة للدين الإسلامى، وأن الدين يمقتها بسبب ما لها من أثر سلبى على وحدة الأمة وزرع بذور الفتنة والشقاق بين أبنائها، وإذا ما نظرنا إلى التركيبة السكانية لإيران نرى أنها نموذج لأمة إسلامية مصغرة لكونها تجمع فى داخلها خليطا من القوميات واللغات والمذاهب المسلمة وغير المسلمة، إلا أن النظام الذى يحكم باسم القومية الفارسية، وهى واحدة من أعضاء هذه المجموعة السكانية غير المتجانسة، يفرض لغته وثقافته إلى جانب سلطته السياسية بالقوة على باقى مكونات المجتمع الإيرانى، ولا يختلف اثنان على أن أى بلد حين يكون فيه تعدد لغات فلابد أن تشكل إحداها لغة المخاطبات الرسمية لكن دون أن يشكل ذلك تميزاً لهذه اللغة أو انتقاصاً من اللغات الأخرى، إلا أن ما يحصل فى إيران عكس ذلك تماماً، فالإيجابيات التى كان يأملها الإيرانيون من غير الفرس من نظام الجمهورية الإسلامية ليس فقط لم تتحقق، بل إن الأمور قد زادت سواء فى عهد هذه الجمهورية وأصبح هؤلاء أكثر تشاؤماً من ذى قبل وهم يقدمون الأدلة لتبرير تشاؤمهم هذا.. من تلك الأدلة التصريحات والقرارات العنصرية التى تصدر عن قادة ومسئولى الجمهورية "الإسلامية" بين الحين والآخر، والتى تنم عن تحيز كبير للقومية الفارسية، والعمل جارٍ على تفريس باقى الشعوب والقوميات الأخرى بشكل لم يسبق له مثيل، من تلك التصريحات والقرارات المتطرفة التى يمكن الإشارة لها على سبيل المثال، ما جاء على لسان الرئيس الإيرانى السابق محمد خاتمى فى ندوة عقدت فى 17 يونيه حزيران 2004 تحت عنوان “الفكر الجماعى الفارسى”، حيث تحدث قائلاً، إن اللغة والأدبيات الفارسية ركيزة الهوية الإيرانية ويجب أن نروج بعمق واهتمام لهذه الهوية، وأن اللغة والآداب الفارسية كانت هى الحارس لهويتنا فيجب علينا أن نكون الحراس عليها، ثم تحدث خاتمى عن الشاعر الأسطورى “الفردوسى” معتبراً إياه محيى الهوية الإيرانية قائلاً: “إن الحكيم أبو القاسم الفردوسى ممثلاً للحكمة والفكر الإسلامى وعلى الأخص الفكر الشيعى منه، وإن الصفات والفضائل التى وضعها الفردوسى لشخصية رستم (بطل الملحمة الشعرية –الشاهنامة) هى ذات الصفات والفضائل التى أكد عليها الإسلام (على حسب تعبيره)، وإن ترويج ونشر الثقافة الإسلامية فى معظمه ناتج من سعى المفكرين الإيرانيين وقد تجلت هذه السابقة جيداً فى اللغة والأدب الفارسى.. وتناسى خاتمى فى هذا الحديث أنه رئيس دولة تتكون من شعوب وأقوام لها لغات وآداب وأديان مختلفة، وأنه بفضل أصوات أبناء هذه القوميات تمكن من الوصول إلى كرسى الرئاسة، فعندما يحاول رئيس الدولة تجاوز لغة وآداب الجزء الأكبر من مواطنيه والتركيز على آداب وثقافة الأقلية منهم يصبح بذلك منتهكاً لروح العدالة والمساواة التى يجب أن يتحلى بها، وحين يؤكد على أن الهوية الإيرانية هى الفارسية يكون قد تجاوز على مبادئ الدستور ونظام البلاد الذى ينص على أن الإسلام يمثل هوية الدولة، ولهذا سميت بالجمهورية الإسلامية، خاتمى لم يكن أول مسئول إيرانى بارز يتحدث بهذا النفس العنصرى، فقد سبقه ولحقه إلى ذلك كثير من المسئولين؛ وعلى رأسهم مرشد الثورة على خامنئى، الذى كان قد شن هجوماً عنيفاً على الشعب الأحوازى فى مارس عام 1997 أثناء زيارته للإقليم، حيث وصف القبائل العربية الأحوازية بأنها “متخلفة وتحمل عادات وتقاليد جاهلية”.. وهو يكرر ما سبق وأن قاله الرئيس الإيرانى الأسبق ورئيس تشخيص مجلس مصلحة النظام الحالى هاشمى رفسنجانى، حيث كان قد نعت فى آيار عام 1985 قبائل الأحواز بأنها مجاميع من "الغجر" على حد زعمه. مثل هذه الأقوال قد استخدمت ضد الأذاريين والبلوش والأكراد وغيرهم من الشعوب والقوميات غير الفارسية فى إيران، ولعل قرار الرئيس الحالى أحمدى نجاد الذى صدر فى أغسطس من العام 2006 والذى أكد فيه على ضرورة تفريس كل جوانب الحياة الثقافية والأدبية والعلمية وسائر مناحى الحياة فى إيران، فإنه يصب فى نفس النهج التمييزى المتبع ضد المواطنين من غير الفرس. ومن المؤكد أنه لا يمكن أن يمر دون أن يترك آثاراً سلبية على الوضع السياسى الداخلى فى إيران. ثم أليس وصف مسئولى البلاد مناشدات المواطنين من غير الفرس الداعية إلى إلغاء ممارسات التمييز القومى والطائفى المتخذة ضدهم بأنها أكثر خطراً من ظاهرة ترويج المخدرات التى تعج بها إيران، ووضع هذه المطالب الإنسانية والقانونية فى دائرة قضايا الأمن القومى بحد ذاته يشكل خطراً حقيقياً على إيران؟ إذاً أيهما أكثر خطراً؛ التهديدات الخارجية التى هى نتيجة لسياسات حمقاء يمكن درؤها بمجرد توقف النظام عن دعم الإرهاب والتدخل فى شئون الدول الأخرى ووقف الجهود الرامية إلى الحصول على الأسلحة غير التقليدية؟ أم سياسات القمع الداخلية التى تتجلى أبشع صورها بإصدار أحكام وتنفيذ الإعدامات بالجملة ضد ممن يطالبون بنبذ العنصرية والطائفية وتطبيق المساواة وإعطاء كل ذى حق حقه من الشعوب والقوميات التى ترزح تحت سلطة الدولة الإيرانية؟ أجيبونا يا أنصار إيران.