إذا كان صحيحا ما يتم الترويج له من بعض الدوائر عن مؤامرة على مصر وروسيا في كارثة إسقاط الطائرة، فإن الأصح أن الروس سيكونون هم أول المتآمرين، وليسوا الضحايا والمستهدفين؟. كيف ذلك؟. الإجراءات الروسية ضد مصر شريكها في أزمة الطائرة وتداعياتها وأضرارها الكبيرة كانت أشد وأخطر كثيرا مما فعله البريطانيون. بريطانيا تحدثت فقط عن احتمال تعرض الطائرة لعمل إرهابي، لكن روسيا تجاوزت ذلك، وأعلنت نتائج تحقيق منفرد بأن الطائرة سقطت بعمل إرهابي، إذن الروس هم من أضروا مصر، وشوشوا عليها، وأحرجوها أكثر مما فعلت لندن كثيرا. بريطانيا تحركت لإجلاء سائحيها من شرم الشيخ، وحذرت مواطنيها من السفر لمصر، مجرد تحذير، أما روسيا فلم تتحرك لإجلاء سائحيها فقط، ولم تحذر مواطنيها من السفر لمصر فقط، بل فعلت مالم يفعله البريطانيون حيث منعت رحلات طيرانها، ورحلات كل الشركات الروسية لمصر، ومنعت رحلات مصر للطيران إليها، أي أغلقت الباب تماما أمام مواطنيها للذهاب لمصر، فمن هم الذين أضروا بمصر ووضعوها في مأزق؟، هو الحليف الروسي الذي يتغنى به البعض، والذي يظن أنه يحمل مشاعل الخير لمصر بلا مقابل، وينسون أن المصالح هى محرك كل القوى الدولية الكبرى بلا استثناء، روسيا لم تكن تقيم علاقات قوية مع مصر مالم تكن تحصل على العائد من صفقات القمح، ومن توسيع وجودها في الشرق الأوسط بالعودة لمصر التي فقدتها قبل حرب أكتوبر 1973، ومن حصولها على عقود توريد سلاح، ومؤخرا توقع عقد إنشاء المحطة النووية في الضبعة، وتوقيت التوقيع أثار أقاويل بأن القاهرة تسعى لترضية موسكو، ولملمة تداعيات حادث الطائرة، ولو صح ذلك سيكون مؤلما لأن مصر تقر بذلك للروس بأن طائرتهم سقطت بقنبلة فعلا مستبقة نتائج التحقيق الذي تقوده، ومصر مازالت تنظر للعمل الإرهابي كفرضية شبه مستبعدة، تمنيت لو كان تأجل توقيع العقد إلى مابعد إجلاء حقيقة سقوط الطائرة، وإعلان الأسباب النهائية حتى لا تذهب التفسيرات بشأن التوقيع المفاجئ للعقد مع شركة روسية إلى ركن التآمر المظلم بأنه استرضاء للروس. بريطانيا لم تهدد وتتوعد مصر، سفيرها في القاهرة يقول: "إن هدف بريطانيا هو حماية مواطنيها من دون أن تضر بالاقتصاد المصري"، وكلامه هذا يشير إلى المباحثات مع المصريين لأجل عودة السياح، لكن الروس هددوا باللجوء للمادة 51 في ميثاق الأممالمتحدة لمعاقبة المتهمين بإسقاط الطائرة، وهو ما يعني أن موسكو تمنح نفسها الحق في استخدام القوة في سيناء منفردة لو توصلت إلى أن المسؤولين عن الجريمة هم عناصر داعش سيناء، وكما فاجأت مصر والعالم بنتائج تحقيقها السريع جدا، فلامانع أن تخرج غدا أو بعد غد لتعلن أن مكافأتها السخية وقدرها 50 مليون دولا قد أتت أكلها ووصلتها معلومات حددت المتورطين. بريطانيا المتهم بالتآمر على مصر في حادث الطائرة، تجري منذ أيام مباحثات مع مصر لعودة سياحها مرة أخرى، وهى مباحثات أمنية بالأساس هدفها الاطمئنان على سلامة الإجراءات في المطارات حماية لأرواح مواطنيها لأن الديمقراطية البريطانية يمكن أن تهدد مستقبل الحكومة إذا لم تفعل كل ما هو ممكن لحماية رعاياها في أي مناطق خطر أو توتر في العالم، و الإجراءات الأمنية الإضافية وسد أي ثغرات هو عمل مفيد لمصر ومرحب به، لكن الأمر مختلف في روسيا، نعم بوتين يسعى لحماية رعاياه، لكنه يستفيد من ذلك سياسيا على المستوى الإقليمي والدولي بأن تكون الأرواح تكأة له للتمدد والبروز وفرض دور روسي دولي مؤثر ومتدخل في استعادته للثنائية القطبية أيام الاتحاد السوفيتي. هل يتصور أحد أن وجود روسيا في سوريا مثلا ودفاعها عن الأسد هو من أجل الأسد كشخص، هو كحاكم مجرد الواجهة، لكن أهدافها الأساسية أن تحافظ على قواعدها ومصالحها العسكرية على مياه المتوسط الدافئة في سوريا، وأن تستخدم الحرب لملاعبة أمريكا والغرب وفرض اعتراف منهم بدورها العالمي. روسيا ليست ملاكا، والغرب ليس شيطانا، في السياسة والعلاقات ليس هناك أخيار وأشرار، هناك فوائد ومصالح فقط، وبقدر ما أحصل منك بقدر ما أقف معك وأعطيك. يُتهم الأمريكان أيضا بأنهم متآمرين مع البريطانيين في حادث الطائرة ، لكن من يمتلك دلائل على الانتقام الأمريكي للروس، والاستهداف للاقتصاد المصري؟، لعل ما أوردناه في المقالين السابقين هنا يكشف أن نظرية المؤامرة تجاه الأمريكي عبارة عن كثير من الكلام العام، قليل جدا من الكلام الصائب والمفيد. الأمريكي لم يتخذ أي إجراء تجاه سائحيه، ولم يوقف رحلات، ولم يمنع رحلات مصرية إليه، الأمريكي أكثر انفتاحا، يحذر، لكنه يترك لمواطنه حرية اتخاذ القرار. أما الإسرائيلي وهو الطرف الثالث في المؤامرة، فلن ندافع عنه، ولن نتحدث عن نظرية المؤامرة تجاهه، لأنه طرف متآمر بطبعه، والمؤامرة ملازمة له، ومعروفة عنه، وهو لا يخبئها، وهو لن يكون صافيا يوما، تجاه مصر أو غيرها، فهو يعلم أنه في محيط من الكراهية والرفض لأنه عدو محتل غاصب قاتل، وهو يتخذ كل الأساليب اللاأخلاقية في تعاملاته وعلاقاته مع العرب، بل مع أمريكا حليفه الأوثق، وبالتالي هل يكون هناك مسار تحقيق أمني وسياسي للطائرة خاص بمصر يبحث احتمال أن يكون لإسرائيل دور ما في إسقاطها لو صحت فرضية العمل المخطط؟، بأن تكون هى من حركت واضعي القنبلة، ووفرت لهم كل وسائل المساعدة، عبر حلقات عنقودية من العملاء، فلا تظهر هى في الصورة، ويظن المنفذون أنهم هم أصحاب العملية، بينما لا يدرون أنهم كانوا مستخدمين في لعبة أكبر وأعقد بكثير منهم؟. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.