أنشطة منجمية ووحدات لصنع الفحم وإزالة غير مشروعة للأشجار وصيد غير قانوني، وغيرها من المؤشرات التي تشي بأن غابة "كيبيرا"، والتي تعتبر شريان الحياة بالنسبة للعاصمة البوروندية بوجمبورا، تمضي نحو الانسداد. غابة تنتصب بشموخ على قمّة جبال فجوة الكونغوالنيل، وتمتدّ إلى الشمال إلى الحدود الرواندية، غير أنّ التدخّل البشري غير المنضبط، إضافة إلى العديد من العوامل الأخرى، تهدّد وجودها وتمسّ بنظامها البيئي، لتجعل من الخسارة المحتملة لهذا الشريان الحيوي للعاصمة، والذي يمتد على أكثر من 47 ألف هكتار ، ثغرة تضيق بخناقها على سكان المدينة. ألبرت مبونيراني، رئيس منظمة "مويزي جيزابو" غير الحكومية، وهي مؤسسة بوروندية تنشط في مجال حماية التراث الوطني، قال إنّه "وقع تدمير حوالي 16 ألف هكتار من الغابة، لتحلّ محلّها حقول البطاطا والبازلاء أو المنازل والمنشآت"، لافتا، في حديث للأناضول، إلى أنّ "الدور الطبيعي لهذه الغابة يتمثّل في تخليص الهواء من انبعاثات غاز الإحتباس الحراري والحفاظ على النظام البيئي". وأعرب الناشط البوروندي عن أسفه لما يلاحظه من سلوك مشين يستهدف هذه الغابة من قبل أشخاص يرتكبون "جرائم ضدّ هذا المكسب الطبيعي، لم يتجرّأ على ارتكابها حتى أسلافنا من الأمّيين". مبونيراني تطرّق أيضا إلى بعض العوامل التي تساهم في تدمير هذه الغابة الأسطورية، مشيرا إلى أنّ "توسّع الحقول الصناعية للشاي على سبيل المثال، يشكّل تهديدا حقيقيا، ما يضع "ديوان الشاي البوروندي"، باعتباره المؤسسة الحكومية التي تشرف على هذا النشاط، موضع اتهام بحسب الناشط البوروندي. "المسؤولون يقولون إن شجيرات الشاي تحمي البيئة"، يتابع مبونيراني، "غير أن الواقع يثبت لنا في كل مرة أنها لا يمكنها، بأي حال، تعويض الأشجار البرّية والطبيعية الموجودة في غابة كيبيرا".
ومن جانبه، قال ثيوفيلوس نداروفاتيي، مساعد وزير المياه والبيئة في بوروندي، إنّ "مزارع الشاي لا يمكنها الاستمرار في التوسّع بشكل عشوائي في المنطقة المحمية لكيبيرا"، مشدّدا، تبعا لذلك، على ضرورة "احترام البيئة من أجل تنمية مستدامة حقيقية". لكن حيثيات الواقع تشير إلى أنّ الشاي لا يتحمّل لوحده وزر دمار غابة "كبييرا"، وإنما ينضاف إليه عامل آخر لا يقلّ خطورة، وهو الضغط الديمغرافي، والذي كان من البديهي أن يدفع نحو التوسّع الحضري أو حتى الريفي على حساب الغابة. ووفقا لإحصائيات وزارة الداخلية البوروندية، فإنّ متوسّط الكثافة السكانية في البلاد ارتفعت من 408 ساكن في الكيلومتر المربع الواحد في 2014، إلى 500 ساكن في 2015. وعلى صعيد آخر، ربط إيزيدور، وهو بوروندي في الثمانين من عمره، إلتقته الأناضول قرب الغابة "المقدّسة"، تراجع الغطاء النباتي للمكان بندرة التساقطات أو الأمطار، والتي سجلت انخفاضا من ألف و700 أو ألفي مم في السنوات السابقة، إلى ألف و200 مم فقط حاليا. جفاف قال إنه يشكّل أبرز العوامل التي تهدّد الغابة، داعيا جميع القوى الفاعلة في البلاد إلى التحرّك من أجل المحافظة على هذا المكسب الطبيعي الوطني، للأجيال القادمة. ومن جهته، يرى كاموينوبوزا، وهو من سكان منطقة "باغاراما" التابعة لمحافظة "مورامفيا"، أنّ الغابة يمكن أن تتحوّل إلى موقع سياحي بامتياز، بما أنها تحتضن قبور مختلف الملوك الذين تعاقبوا على حكم بوروندي، غير أنّ هدفا مماثلا لن يتحقق إلا في صورة حمايتها من الدمار الذي يلحق بها من الناس. الغابة الأسطورية أو "المقدّسة" كما يسميها السكان المحليون، تمتلك العديد من الميزات، سواء باعتبارها موقعا طبيعيا خلابا، أو نظاما يحفظ التوازن البيئ والتنوّع البيولوجي، فهي تمتد على 4 محافظاتبوروندية هي "بوبانزا" و"سيبيتوكي"، و"كايانزا" إضافة إلى "مورامفيا"، وتحتضن الآلاف من أنواع الحيوانات والنباتات المتنوعة، أبرزها الطيور والزواحف والثدييات الضخمة إضافة إلى الغوريلا والشمبانزي وغيرها.. أمّا "قدسية" الغابة فتعود، بحسب مبونيراني إلى كونها المكان الذي كان، في سالف العصور، مخصصا لصيد الملوك البورونديين، قبل أن تتحوّل، إثر ذلك، إلى ملجأ ل "المتمرّدين"، حتى أنّه حين طلب من الملك، مويزي جيزابو، حرق الغابة للقضاء على المتمردين الذين احتموا، في 1906، بأدغالها، ردّ قائلا: "لا سبيل لإضرام النار في هذا التراث الرابط بين السماء والأرض".