لم يخف حمدي الكنيسي، رئيس الإذاعة الأسبق، استياءه الشديد من حالة الفوضى التي تسيطر على الإعلام، قائلاً إنها تشكل خطرًا فاحًا على الأمن القومي المصري وتهديدًا للعلاقات الدبلوماسية بين مصر دول الجوار. واعتبر الكنيسى فى حوار ل"المصريون" أن قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكوى الإعلاميين للشعب يقدم تأكيد على مدى المأزق الذي يعانى منه الإعلام والقلق الرسمي من تداعيات هذه الفوضى على أمن البلد واستقراره. وبدا أقدم محرر عسكري فى تاريخ الإذاعة، واثقًا من قدرة ميثاق الشرف الإعلامي على إنقاذ الإعلام من المأزق الحاد الذي يعانى منه، مطالبًا الحكومة بسرعة مشروع القانون الذي تقدمت به نقابة الإعلامية لوضع الإعلام على الطريق الصحيح. الحوار مع الكنيسي تطرق لقضايا عدة نسردها بالتفصيل فى السطور التالية: *لكل إعلامى محطات فى تاريخه المهني لا تنسى.. فما أهم تلك المحطات؟ **من المؤكد أن أهم محطاتى تمثلت فى التحاقى بالإذاعة فأنا منذ الصغر كنت مولعًا بالكتابة ونظرت للإذاعة باعتبارها نوعًا من أنواع الصحافة ولكن بشكل مختلف ومن ثم جاء انتقالي إلى إذاعة صوت العرب بعدها تطوعت كمراسل حربي على الضفة الشرقية أثناء حرب أكتوبر المجيدة، ففكرة تطوعي أعتبرها دورًا وطنيًا قبل كونه دورًا مهنيًا فرسائلي من جبهة القتال "صوت المعركة" كان لها تأثير كبير على الجبهة الداخلية. *هل توقف صدى هذا التأثير على الصعيد الداخلى فقط؟ ** لا على العكس امتد هذا التأثير داخل إسرائيل وذلك عقب تدشين لجنة "جرانت" لمناقشة البرنامج المصرى المٌعادى "صوت المعركة" بين متحدثي اللغة العربية من الإسرائيليين، وبعدها عملت خبيرًا دوليًا للإعلام باليونسكو، مستشار مصر الإعلامى فى إنجلترا والهند، وتم انتخابي عضو مجلس إدارة النادى الأهلي، أمين عام مهرجان الإذاعة والتليفزيون، رئيس مجلس إدارة مجلة الإذاعة والتليفزيون، رئيس إذاعة الشباب والرياضة، رئيس إذاعة صوت العرب، عضو مجلس اتحاد الكتاب، وأخيرًا رئيس الإذاعة. *تطوعت كمراسل حربي أثناء حرب أكتوبر المجيدة الأمر الذي جعلك أقدم محرر عسكرى.. فما رأيك فى الإعلام العسكري حاليًا؟ **أعتقد أن الإعلام العسكرى الحالي لا يوجد به متخصصون بمعنى الكلمة فالمراسل الحربي لابد أن تتوافر به شروط "الثقافة العامة، الثقافة المتخصصة بالشئون العسكرية"، أما المتواجدون الآن على الساحة فهم مجرد مراسلين يبدون انطباعات شخصية وليست رؤية واقعية. *كان للإعلام تأثير كبير على الرأي العام فى السابق غير أنه لم يعد كذلك، فما تعليقك على الفوضى الإعلامية؟ **كثيرًا ما كتبت مقالات وأخبارًا وتحدثت فى برامج مختلفة عن حالة التردى والانهيار للإعلام، فالرئيس اشتكى من الفوضى الإعلامية وكان عنوان آخر مقالاتى "الرئيس يشكو فمن إذا بيده الأمر"، وكى نرجع للإعلام هيبته وننتشله من الانهيار، فلابد لنقابة الإعلاميين من إصدار ميثاق الشرف الإعلامي وتقديم مدونة للسلوك الإعلامي، ومراجعة ومحاسبة الإعلاميين سواء كان القطاع العام أو القطاع الخاص، كما أنني قدمت مشروع القانون الإعلامي للرئاسة وتمت الموفقة عليه، فهو الآن لا يحتاج إلا لرفعه من قبل مجلس الوزراء إلى الرئيس ومن ثم إصدار القرار بالقانون فهو من يملك السلطة التشريعية الآن. *أعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسى فى الثالث من يوليو 2013 أن ميثاق الشرف الإعلامى هو أحد استحقاقات خارطة الطريق.. برأيك لماذا لم ير هذا الميثاق النور حتى الآن؟ **من يملك حق إصدار الميثاق هي نقابة الإعلاميين وهى الآن تحت التأسيس وأنا الآن أشرف برئاستها ولكن كل ما ينقصنا هو الشكل القانوني للنقابة بحيث تبدأ مهامها على الفور، ولكن هذا الشكل القانوني لن يكتمل إلا بمجلس النواب حيث يصدر قراراته الأمر الذي يجعل النقابة متأخرة فى إصدار القوانين ولكن فور اكتمال نصاب مجلس النواب وإصدار القرارات سوف يتغير حال الإعلام على الفور. **اشتكى الرئيس عبد الفتاح السيسى الإعلاميين للشعب.. فما هو سر انقلاب الإعلام على الرئيس؟ *بالطبع لم ينقلب الإعلام ككل لكن بعد ثورة يوليو فقد الإعلام دوره ومكانته الذي اكتسبها خلال ثورة يناير وما بعدها فبدأت أجندات مختلفة بالظهور سواء كانت حزبية أو فئوية مهمتها إقناع فئات الشعب بأفكارها والتي لا تتفق مع سياسة الدولة ومواقف الرئيس عبد الفتاح السيسى، أجندات لبعض رجال الأعمال والذين يفضلون المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، كما أنه يوجد أجندات أخطر وهى "أجندات الإعلاميين" الذين تصور أن وسيلتهم للانتشار والحصول على الإعلانات هي الإثارة والفبركة الإعلامية الحوارات الساخنة دون مراعاة مصلحة البلد. *تعددت برامج التوك شو.. حتى تحولت لدولة داخل الدولة تنتقد من تشاء وتمجد من تشاء؟ **من أخطاء الإعلام أن البعض تصور أن برامج التوك شو جمهورية مستقلة ليس لها ضوابط ولا روابط تنتقد من تشاء حسب أهوائها وتوجهاتها نهيك عن انتهاك الأعراض والإساءة لرموز البلدان الأخرى حتى ولو تسبب فى قطع العلاقات بين مصر والدول الأخرى، لذلك لابد من وضع قيود لمثل تلك البرامج ولكن رغم التوجهات الخاطئة إلا أن وعى الشعب المصري يستطيع أن يبتعد ويحارب تلك البرامج تدريجيًا. *كثيرًا ما يفشل إعلامنا فى إبراز الموقف المصري فى أي مشكلة ذات بعد دولي أو إقليمي مثل مشكلة الطائرة الروسية.. فما السبب؟ **أعتقد أن إعلامنا فى الوقت الراهن متخبط إلى حد ما يعجز عن تقديم قضايانا كما يجب وبالنسبة للمثال الأخير "الطائرة الروسية" كان من المؤسف أن يسارع بعض الإعلاميين إلى ترديد السموم التى أطلقتها أمريكا وبريطانيا بحجة أنها تكهنات أن الطائرة سقطت نتيجة عمل إرهابي ولأن الإعلام الأمريكى والبريطاني يهمه فى المقام الأول مصلحة وطنه لذلك اشترك فى مخطط الإساءة إلى مصر وعلاقتها مع روسيا. *أصبحت معظم برامجنا إما عن النميمة أو تفسير الأحلام والخزعبلات.. فهل هناك أيدٍ خفية تعبث فى هويتنا العربية وكيف يمكن ردعها؟ **تلك البرامج جزء من الأخطاء والتي تصل إلى حد الخطايا والتي كانت نتائجها تسمية إعلامنا بالإعلام "الطائش" هذه التصرفات تتفق مع أهداف أعدائنا ضرب القيم والمبادئ، ومجرد تطبيق تلك الأخطاء فهى كارثة لنا وفوز لأعدائنا كما أنني أعتقد أن ما يحدث الآن فى الإعلام هي الفوضى الخلاقة التي أعلنت عنها أمريكا من قبل. *الإعلام المصرى فى حالة فوضى.. فمن هو المسئول عن تلك الفوضى رأس المال أم جهات سيادية؟ **أعتقد أن من يوجه الفضائيات فى المرحلة الحالية هي رؤى وأفكار بجانب رأس المال، أما بالنسبة للجهات السيادية، فأنا لا أعتقد أنها تتدخل، وللتأكيد إذا كان رمز السلطة وأكبرها مقامًا هو الرئيس عبد الفتاح السيسى لم يفرض سيطرته بل قال إنه سوف يشتكى الإعلام للشعب. **اتجه الكثير من فئات الشعب للفضائيات الخاصة.. فلماذا غاب التليفزيون المصرى عن المنافسة؟ *لم يغب التليفزيون إنما تراجع دوره نتيجة لمشاكل مادية وضعف بعض الإدارات التي لا تجيد فنون الإدارة وإثارة حماس العاملين، فالإعلام العام فى ماسبيرو فى رأى يمتلك إمكانيات وطاقات مادية وبشرية هائلة تسمح له بأن يستعيد دوره بشكل كبير، كما أننى سوف أقدم تصورى لتطوير الإعلام عقب اكتمال نصاب نقابة الإعلاميين. *هناك مستندات تثبت فساد وإهدار الميزانية فى التليفزيون أمام النائب العام والجهاز المركزي للمحاسبات.. ما هو تعليقك؟ **إذا كانت المستندات حقيقية فعلى الجهاز المركزي للمحاسبات التحرك بسرعة، خاصة أن الدولة ضد أي فساد.