رحل الدكتور ثروت بدوى، الفقيه الدستوري، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، عن عمر يناهز 87 عامًا، يوم الأربعاء الموافق 11 نوفمبر عام 2015، بعد صراع طويل مع المرض ومشوار أطول مع التدريس بالجامعة. وتوصف مواقف بدوي بالبطولية خلال حياته العلمية والعملية, بداية من مشاركته في صياغة الدستور المصري عام 1971، انتهاء برأيه في 30يونيو التي اعتبرها في مفهومه لاتدخل حيز الثورات. يعد بدوي، أحد أبرز فقهاء مدرسة التشريع المصري الحديثة المساهمين في صياغة دساتير عدد من الدول العربية، وعلى رأسها مصر عبر وضع دستور 1971، وهو واحد ممن لحقوا بجيل رائد الفقه والقانون في مصر والعالم العربي الدكتور عبدا لرازق السنهوري. وهو من أقدم أستاذة كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وتخرج على يده أجيال من الطلاب، وكان يساهم في كافة الأنشطة بالكلية بالإضافة إلى دعمه المتواصل للطلاب، فكان محبوبًا لدى الكثير منهم, وكان يعمل على تسجيل المحاضرات ونشرها على قناة "اليوتيوب" من أجل مساعدة الطلاب في المناهج الدراسية، ولم يتكاسل عن مساعدة طلاب التعليم المفتوح أيضًا. ظلت مقولة "مفش فايدة" علي لسان بدوي عقب تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصب رئيس الجمهورية في تصريحاته السابقة ل "المصريون"، إذ رفض الراحل الاعتراف بشرعية الرئيس الحالي ولجنة الخمسين المشكلة لصياغة دستور جديد للبلاد في 2014 وهي اللجنة التي وصفها بدوي بأنها غير منتخبة، وتفتقد للشرعية هي الأخرى، ومن ثم لا تعبر عن إرادة الشعب ويصدر عنها دستور يتنافى مع مبدأ سيادة القانون. وكان بدوي من أشد الرافضين لسياسات الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي وصفه عهده بعصر "ترزية القوانين" المشاركين في صياغة التعديلات الدستورية التي أدخلها على الدستور في عام 2005 للتمهيد لمشروع توريث الحكم لنجله جمال مبارك قبل وقوع ثورة يناير بأعوام خمسة. كما سبق وواجه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وهاجم خلفه أنور السادات. كان بدوي أحد أبرز الفقهاء الدستوريين، الذي عارض الإعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس الأسبق محمد مرسى في نوفمبر عام 2012، لم يكن الفقيه الدستور من بين لجنة ال100 لوضع الدستور في عهد جماعة الإخوان، بل كان عضوًا باللجنة الفنية للجنة ال 100. كان بدوي من بين الشخصيات التي أقنعت مرسى بالتخلي عن الإعلان الدستوري الذي أصدره في نهايات عام 2012. كما عارض بشدة عزل مرسى، وتعاطف معه ويعرف عنه أنه من أشد المعارضين للأنظمة السابقة. كان "ثروت بدوي" صاحب "نظرية فعل الأمير"، و له العديد من المؤلفات القانونية طوال حياته أبرزها " النظم السياسية ، القانون الإدارى ، أصول الفكرى السياسي والنظريات والمذاهب السياسية، الكبرى ، مؤجز القانون الدستورى".
قضى بدوي 60 عامًا في التدريس لطلبة وطالبات جامعة القاهرة، وأوصى قبل مماته أن تخرج جنازته من جامعة القاهرة التي كان يحاضر فيها طيلة تلك السنوات. يعتبر بدوي، أحد أهم الفقهاء الدستوريين في مصر والعالم العربي ، عمل أستاذًا للقانون الدستوري بكلية الحقوق، جامعة القاهرة، وُلد عام 1928 في قرية "شرباص" بمحافظة دمياط، حيث كان والده عمدة لها. كان الفقيه الدستوري الراحل الابن قبل الأخير لعمدة بلدة "شرباص" الواقعة في جنوب محافظة دمياط، من بين 14 ولد وبنت، بالإضافة إلى 7آخرين إخوة غير أشقاء. ينتمي بدوى لعائلة عريقة وكبيرة ضمت " عبدالرحمن بدوي، أحد أبرز الفلاسفة وأساتذة الفلسفة العرب في القرن العشرين والدكتورة ميرفت بدوي من كبار خبراء الاقتصاد الدولي , نائب رئيس الصندوق العربي للإنماء وليلى بدوى زوجة أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير الخارجية الأسبق. التحق بدوي بكلية الطب مع تفوقه الدراسي، لكنه لم يكمل دراسة الطب واتجه نحو دراسة التشريعات القانونية والدستورية لعدد من الدول الأوروبية المتقدمة التي حدثت فيها نهضة تشريعية كبرى، ومن هنا جاء قراره بالالتحاق بكلية الحقوق في جامعة القاهرة عام 1945 وحصل على شهادة الليسانس بتقدير عام جيد جدا، ليتصدر ترتيب العشرة الأوائل على الجامعة، وكان ترتيبه الثالث على الدفعة، حتى تم تعيينه بمجلس الدولة عقب التخرج مباشرة. سافر بدوي إلى فرنسا بعد تخرجه للحصول على درجة الدكتوراه في القانون الدستوري عام 1954، ومنذ ذلك الحين عاد إلى القاهرة ليحاضر في جامعة القاهرة التي يحفظ كل ركن في قاعاتها ووجه كل أستاذ ومعيد كانوا ضمن تلامذته يوما من الأيام. ويعد الفقيد الراحل أحد أبرز الفقهاء الدستوريين المشاركين في صياغة دستور مصر الحديث خلال عام 1971 ضمن لجنة دستورية شكلها الرئيس الراحل أنور السادات لوضع وصياغة الدستور، ومساهمته في وضع العديد من دساتير بعض الدول العربية، فضلا عن مشاركته في كتابة الإعلان الدستوري المكمل في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي. شهدت جنازة بدوى، حضورًا كثيفًا لرجال القانون وأساتذة الجامعات ولفيفًا من الشخصيات العامة التي شيعت ظهر الخميس الماضي من مسجد كلية الحقوق جامعة القاهرة وسط طلاب الكلية.