إحدى هواياتى هى مراقبة سلوك الكلاب فى المواقف المختلفة، لمايذكرنى ذلك بسلوك نماذج بعينها من البشر فى مواقف مشابهة،... دعنا الآن من القصص المعروفة عن وفاءالكلاب أواستبسالها النادر فى الدفاع عن أصحابها لحظة الخطر، أوإصابتها بالإكتئاب الشديد إذا ما حانت لحظة الفراق ثم وقوفها الحزين المستكين أمام قبور أصحابها إلى أن يصل الأمر ببعضها فى حالات معينة إلى حد الموت،... دعنا من هذه القصص وأمثالها مما هومعروف أو مأثور عن وفائها، ولنتكلم عن ردود أفعالها فى مواقف أخرى يعلمها كل من قدر له مثلى أن يشاهدها فيها! . وعلى سبيل المثال هناك الكلب الذى يقبع هادئا على أحدالجانبين فى واحد من طرق الأرياف، وعندما تمر به سيارة يرفع رأسه ويكتفى بالحملقة إليها، أوقد لا يرفع رأسه إطلاقا ويظل على ما هو عليه!! وهو ما يذكرنى بالإنسان اللامبالى الذى لايعبأ بشىء ولا يهمه شئ،... وفى مقابل ذلك هناك الكلب الذى يهاجم السيارات وينبحها بشراسة ويظل يطاردها إلى مسافة طويلة غير عابئ بالفارق بين حجمها وحجمه أو بين قوتها وقوته ، وهو ما يذكرنى بالإنسان الذى يقاوم أى وافد غريب ويتصدى له بغض النظر عن موازين القوىبينهما،.. ثم هناك الكلب الذى ينبحك ويهاجمك بضراوة شديدة حتى يخيل إليك أنه لن يتخلى عن هجومه قط ، فإذا ماألقيت إليه حجرا جرى إليه يتشمّمه ظنا منه أنه طعام حتى إذا ما تبين حقيقته عاد لكى يهاجمك من جديد بشكل أقوى وأشد!! وهو ما يذكرنى بتلك القوى التى تملأ الدنيا ضجيجا بشعارات فارغة ، فإذا ما لوح إليها أحد بمغنم هدأت وسكنت ، فإذا خاب رجاؤها عادت لكى تملأ الدنيا ضجيجا وصياحا أكثر من ذى قبل!!، ...ثم هناك الكلب الذى يقبل نحوك فى هدوء ووداعة حتى إذا ما اطمأننت إليه عضك فجأة وجرى هاربا، وهو ما يذكرنى بالإنسان النذل!!، غير أن أطرف ما رأيته من الكلاب هو ذلك الكلب الذى يذكرنى بالقوة العظمى فى عالمنا المعاصر وأعنى بها: الولاياتالمتحدةالأمريكية، ....فقد كان لدينا فى فناء منزلنا بالريف مجموعة من الكلاب عادية الحجم وكان بينها فى الوقت ذاته كلب ضخم هائل، وعندما كنت أطل من شرفة المنزل لكى ألقى إليها بشىء من الطعام كان الكلب الهائل يجرى إليه ويقف بالقرب منه ثم يظل واقفا ينظر إلى بقية الكلاب ، فإذا اقترب واحد منها إلى الطعام هاجمه وأوسعه عضا لكى يكون عبرة للباقين ، ثم يعود لكى يقف مرة أخرى إلى جوار الطعام وهو ينظر إليهم نظراته المخيفة المرعبة ، حتى إذا ما اطمأن إلى أن واحدا منهم لن يجرؤ بعد الآن على مزاحمته فيما يعتبره حقا طبيعيا له ، عندئذ فقط يبدأ فى التهام طعامه بهدوء!! وقد خرجت من هذه الشواهد التى ذكرتها، ومن غيرها مما لم أذكره ، خرجت من ذلك كله بنتيجة أراها شديدة الوضوح، وهى أن الإنسان أصله كلب!! ملاحظة هامة: أتمنى ألا يسارع بعض القراء إلى الإعتقاد بأننى من خلال السطور السابقة أطرح نظرية جديدة أفسر بها أصل الإنسان وأنافس بها نظرية دارون فالحقيقة هى أننى لا أقدم نظرية جديدة ولا حتى بذور نظرية جديدة وكل ما أستهدفه من خلالها هو محاولة للنقد الساخر لأنماط بعينها من السلوك البشرى.