وجه الكاتب الصحفي خالد داوود المتحدث الإعلامي السابق باسم حزب الدستور، رسالة شكر إلى المقاطعين من الشعب المصري للمرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، مؤكدًا أنها رسالة قوية إلى النظام وكافة القوى السياسية. وكان نص مقال "داوود" في موقع "مصر العربية": خرج علينا اللواء الراحل عمر سليمان في آخر أيام المخلوع مبارك ليقول أن الشعب المصري غير مؤهل للديمقراطية. وكرر الرئيس عبدالفتاح السيسي لاحقًا نفس المقولة خلال حملته الانتخابية للترشح للرئاسة، وقال أننا نحتاج 25 سنة حتى نصل لديمقراطية تماثل ما هو قائم في الدول الغربية، ولكن الشعب المصري الذكي الفطن يخرج في كل مرة ليؤكد مدى خطأ هذه المقولات والمزاعم الاستشراقية في الأساس، وليثبت أننا مؤهلون تمامًا للديمقراطية، ونعرف الغث من السمين ولذلك لا نقبل الخداع أو التطبيل أو الكذب. ولذلك، عندما شعرنا أن هناك انتخابات حقيقية، وأن صوت كل مواطن يمكن أن يكون فارقًا، شارك المصريون بأعداد كبيرة في كل الانتخابات والاستفتاءات التي شهدناها بعد ثورة 25 يناير المجيدة التي جعلتنا نشعر أننا مواطنون حقيقيون في بلدنا، لنا حقوق وكرامة وعلينا واجبات والتزامات. ومن منا لا يتذكر فرحتنا بالطوابير الطويلة والحبر الأزرق أو الزهري على الأصابع في مارس 2011، وفي انتخابات البرلمان في نهاية 2011 وأخيرًا في انتخابات الرئاسة في مايو 2012، والتي كانت آخر عهدنا بالانتخابات الحرة والنزيهة التي كان يتنافس فيها المرشحون بصدق، وكان من الصعب التنبؤ بالنتيجة. هناك من يريدون منا أن ننسى هذه الأيام، وأن نصدق بأنفسنا أننا غير مؤهلين للديمقراطية، وأن المشكلة في الشعب وليس في زيف أهل الحكم وكذبهم، أو كما قال الزعيم غير المتوج لجماعة "آسفين يا ريس" تامر عبدالمنعم: "المتغطي بالشعب عريان." الشعب هو الذي قام بتعرية الكاذبين ورفض خداعهم، واستمتعوا بالدفء في منازلهم وتركوا اللجان خاوية في مواجهة من كانوا يريدون انتخابات برلمانية لا معنى لها، ونتيجتها معروفة مسبقًا ويهيمن عليها مرشحون فاسدون قام الشعب بالثورة عليهم وعلى تزويرهم وفسادهم. وغالبًا لم يكن يريد أهل الحكم في بلادنا انتخابات برلمانية من الأساس وأشاعوا في محطات تلفزيون الطنطنة والتطبيل أن لدينا الرئيس السيسي وكفى، قائد عسكري في معركة حربية ضد الإرهاب لا مجال فيها لمناقشات أو مشاريع قوانين يقدمها نواب ينتمون فعلا للشعب ويدافعون عن حقوقه ودستوره. ولولا ضغوط الغرب والهيئات الدولية التي ستمنحنا قريبًا قروضًا تثقل كاهلنا لعقود قادمة تحتاج إلى تصديق البرلمان، ربما ما كنا شهدنا انتخابات أصلًا. لم أكن راضيًا عن نتائج أي من الاستحقاقات الثلاثة التي شهدناها في أعقاب ثورة يناير، لأنها لم توافق اختياراتي الشخصية. فلقد كنت من أنصار الدستور أولًا، وكنت أتمنى تأجيل انتخابات البرلمان، ولم أكن مؤيدًا مطلقًا لترشيح الإخوان رئيسًا من الأساس واعتبرت ذلك نكثًا بعهد قطعوه على أنفسهم بعدم الترشح تقديرًا لأوضاع مصر ما بعد ثورة 25 يناير وخشية الكثيرين من توابع حكم جماعة لا خبرة لها ولا دراية لها بشئون الحكم. ولكن ذلك لم يمنع أنني كنت سعيدًا جدا بالتجربة، وشعوري أننا لا نقل عن أي شعب آخر يتمتع بالديمقراطية، ليس فقط في العالم الغربي، بل في دول أفريقية وآسيوية مماثلة تمكنت من بناء تجارب ديمقراطية. في انتخابات العامين 2011 و2012، كنا نقف كمواطنين في الطابور بالساعات ونحن سعداء تعلو وجوهنا ابتسامة لأننا سنقوم بالانتخاب بحرية، ولأنه كانت هناك منافسة حقيقية بين أحزاب وبرامج وأفكار. كان من يقف أمامي سينتخب شفيق، ومن خلفي سينتخب محمد مرسي أو عبدالمنعم أبو الفتوح، وكنت محتارًا ما بين انتخاب حمدين صباحي أو خالد علي. ولكننا كنا جميعًا نقف بتحضر واحترام لرأي الآخر رغم الغياب الكامل لقوات الشرطة والأمن في ذلك الوقت. أما بعد 3 يوليو 2013، ورغم كل ما رددته شخصيًا من أن الهدف من الإطاحة بمرسي والإخوان هو استعادة أهداف ثورة 25 يناير التي حادت عنها الجماعة بل وتنكرت لها، فلقد واجهنا نظامًا يكره الديمقراطية ويحتقرها، ويعتبرها جزءًا من حروب الجيل الرابع والخامس والسابع ومخطط تقسيم الوطن. ولذا خرج علينا مطبلاتية النظام ليهاجموا الأحزاب الجديدة التي نشأت بالكاد، ويسبوا الشباب الذي قام بإطلاق شرارة ثورة يناير ويؤيدون حبسهم وفقًا لقانون التظاهر الجائر الظالم، ويستهتروا بالدستور ويستهزءوا به رغم أنه لم يدخل حيز التنفيذ فعلًا، بل دأب الرئيس السيسي، كسلفه مبارك، على إصدار قوانين تخالف الدستور نفسه وتؤكد وضعه على الرف ليغطيه التراب. بعد كل ذلك، ماذا كنتم تتوقعون؟ رفض الشعب المصري المشاركة في مسرحية خادعة سماها النظام "انتخابات"، ودعا الرئيس المواطنين للمشاركة فيها بحماس، مع تخصيص الكلمات المعتادة للمرأة المصرية العظيمة التي لا يتذكرها سوى في وقت الانتخابات، ولكن شعبنا العظيم لقننا جميعًا درسًا بليغًا، وهو على استعداد ليلقننا دروسًا أخرى لو استمرت عملية الخداع وترديد الشعارات الفارغة والاستهزاء به وبفهمه لما يحدث على أرض الواقع بالفعل. ليس الشعب الطرف غير المؤهل للديمقراطية، ولكن هناك من غير مؤهلين للحكم وسيبقون كذلك طالما اعتقدوا أنه بإمكانهم خداع الشعب.. لم ينته الدرس بعد.