جمال سلطان الذين يطالبون النظم العربية بفتح صفحات من المصالحة مع شعوبها ، وإعادة الكرامة والاعتبار للناس ، للبشر في بلادهم كأنهم ينفخون في قربة مثقوبة ، وعندما سئل الرئيس السوري عن مطالب قوى المعارضة السورية بضرورة وجود مصالحة وطنية وانفتاح سياسي من النظام على الشعب ، لأن هذا هو ضمانة صلابة الجبهة الوطنية أمام أي تحديات خارجية ، وضرورة أن تعود الكرامة للمواطن ، ورفع سيف أجهزة القمع والإرهاب الأمني عن عاتقه ، وأن يتنسم عبير الحرية مرة في حياته ، تعلل الرئيس بشار الأسد بأن هذه مسيرة طويلة ، وتحتاج إلى وقت وصبر وترتيبات ، ولا يمكن تحقيقها في المدى القصير ونحو ذلك من تعلات ، هي نفسها التي تكررت في القاهرة وفي تونس وليبيا وغيرها كاسطوانة مشروخة ، ولكن الرئيس بشار عندما يريد تحقيق أي قرار أو قانون أو إجراء سواء ضد قطاع من المجتمع أو ضد زعيم معارض أو ضد خصم سياسي فالأمر يتم بأسرع من ومض العين ، لدرجة أن برلمانه اجتمع خلال أقل من أربع وعشرين ساعة لكي يدين عبد الحليم خدام ويتخذ إجراءات ويدعو إلى غيرها ، فورا وبدون انتظار ، دائما السلطات المستبدة تتهرب من أي استحقاقات وطنية لشعوبها ، دائما تهرب من أي إلزام يجعلها تتنازل عن بعض سلطاتها الإلهية في الحكم لكي يتنفس الناس ويشعرون أنهم في وطنهم ، وليسوا في سجن كبير ، ويبدو أن الرئيس بشار في طريقه لتكرار مأساة صدام حسين ، وما هذه التظاهرات العربية الثقافية والسياسية في العاصمة دمشق إلا نموذج طبق الأصل لما فعله صدام قبل السقوط ، فما نفعه الجعجاعيون بشيء ، والذين قبضوا دولاراته وكوبوناته جيئة وذهابا ، لا يجرؤ أحدهم اليوم على مجرد الذهاب إلى بغداد من أجل مناصرته أو الدفاع عنه ، إن النظم السياسية التي اعتادت على تهميش الشعوب وتحويلها إلى ملطشة وعبيد ، ودرجت على أن تدير كل شيئ من السياسة الداخلية إلى علاقاتها الخارجية بمعزل عن أي رقابة شعبية أو حتى حضور شعبي من أصله ، واعتادت على أن تضع الشعب في حدود الديكور السياسي للتصفيق والهتاف والمناظر السارة أمام شاشات التليفزيون وبالروح والدم نفديك يا زعيم ، هذه النظم لا يجري على خاطرها أصلا إمكانية أن تعود لتستعين بشعوبها من أجل دعم موقفها وصمودها ، لأنهم لم يعتادوا يوما أن يعترفوا بأن هناك شعبا أصلا ، فضلا عن أن يلجأوا إليه ويطلبوا منه النصرة ، ولذلك يلجأون إلى الديكورات السياسية واستخدام بعض سماسرة السياسة الحنجورية ومقاولي الأنفار في بعض العواصم العربية من أجل صناعة ضجيج إعلامي مؤيد ومساند ، وفي النهاية عندما يضغط الحبل حول عنق الزعيم ، لا يجد حتى حائط في شرق بلاده وغربها يقبل بأن يستتر خلفه أو يحميه ، ولذلك لن تجدي أي مناشدات عاقلة من أي طرف للرئيس بشار من أجل تحقيق مصالحة وطنية ، وإعادة إشراك شعبه في المسؤولية والقرار ، هذا سلوك خارج على ثقافة العرب اليوم ، ثقافة لا تعترف ولا ترتدع إلا بسيف الخارج على رقابها ، وربما كانت ترى أن نزع سلطتها على يد الأجنبي أكرم لها من نزعها على يد شعبها . [email protected]