بالقرب من إحدى رياض الأطفال، الواقعة في حي المنارة شرق مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، تقف عيادة متنقلة، لتقديم الدعم النفسي والصحي لسكان المناطق الحدودية. وفي اللحظة التي تفتح فيها العيادة أبوابها، يهرول أطفال الروضة تجاهها، آملين أن يحظوا ببضع ساعات متواصلة من اللعب والرسم. وتعتبر عيادة "موبايل كلينك"،التابعة لجمعية "إعمار للتمنية والتأهيل" (غير حكومية)، من أول العيادات "المتنقلة" التي يتم إطلاقها في قطاع غزة، لتقديم الدعم النفسي لسكان المناطق الحدودية "المُهمّشة". وفي قسم العلاج ب"اللعب" التابع ل"موبايل كلينك"، تصطف الطفلة لين النجار (5 أعوام ونصف)، التي تحمل "كرة" بلاستيكية، إلى جانب أصدقائها، ليمرروا الكرة فيما بينهم بخفة. وتقول النجار، لمراسلة وكالة الأناضول" للأنباء:" نشعر بالفرح حينما نأتي إلى هنا". وتقدّم "موبايل كلينك" دعمها النفسي لسكان المناطق الحدودية، بعدة وسائل منها "العلاج باللعب"، أو ب"الرسم"، أو ب"جلسات الحديث"، كما تقول سلوى أبو عودة، وهي أخصائية نفسية تعمل ضمن مشروع "موبايل كلينك"، لمراسلة "الأناضول" للأنباء. وتضيف أبو عودة:" بسبب تهميش المناطق الحدودية من قبل المراكز التي تقدم الخدمات النفسية، نجد أن المشاكل الإجتماعية والنفسية لدى السكان متفاقمة، لا سيما عند فئة الأطفال". وتتابع:" أبرز أسباب المشاكل النفسية هي الحروب الإسرائيلية التي يتعرض لها قطاع غزة، وسوء الوضع الاقتصادي لدى الأهالي". ومن أبزر المشاكل النفسية التي يعاني منها أطفال المناطق الحدودية هي:" التبول اللا إرادي، التأتأة، السلوك العدواني، والكوابيس، والتأخر الدراسي، والصدمة النفسية"، حسب أبو عودة. ويعاني سكان المناطق الحدودية في قطاع غزة، من ضعف الخدمات المقدمة لهم في مختلف المجالات، بالإضافة إلى كونهم عرضة لمواجهة لمخاطر التعرض لإطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي، في حال نشوب مواجهات مسلحة. كما تفتقد تلك المناطق إلى وجود مراكز تُعنى بالصحة النفسية والجسدية. ويقول عماد اسليم، مدير دائرة الدعم الصحي والمجتمعي، في جمعية إعمار، لوكالة "الأناضول":" نشأت فكرة العيادة المتنقلة، من الواقع الذي يفرض نفسه في المناطق الحدودية المهمشة، إذ يصعب على المراكز الصحية والنفسية تقديم خدماتها لسكان تلك المناطق". وتابع:" كون المناطق الحدودية المهمشة، مناطق ميدانية ساخنة تعرضت لقصف عنيف خلال الحرب الأخيرة، فمن الضروري أن يخضع سكانها لدعم نفسي وصحي، ومن هنا جاءت فكرة العيادة المتنقلة". وقصفت إسرائيل، خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، أحياء كاملة في المناطق الحدودية، كحي الشجاعية، وبلدة خزاعة، والأحياء الشرقية لمدينة رفح.. ويلفت اسليم إلى أن العيادة المتنقلة تستهدف "كافة الفئات العمرية من الأطفال والنساء والرجال أيضاً". ويتابع:" لصعوبة وصول سكان تلك المناطق للعيادات النفسية بمركز المدن، فقد وجدوا ضالتهم في العيادة المتنقلة، إذ كانت نسبة الإقبال للإستفادة من خدماتها، كبيرة جدا". وتقدم عيادة "موبايل كلينك"، إلى جانب الدعم النفسي لسكان المناطق الحدودية، خدمات صحية سمعية وبصرية. واشار اسليم إلى أن العيادة تطمح إلى توسيع رقعة عملها وتقديم خدماتها لأكبر عدد من المواطنين. وعلى مدار 51 يومًا، تعرض قطاع غزة، الذي يُعرف بأنه أكثر المناطق كثافة للسكان في العالم، (1.8 مليون شخص)، في ال7 من يوليو من العام الماضي، لهجوم عسكري إسرائيلي جوي وبري، تسبب بمقتل 2322 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، وتدمير آلاف المنازل والمنشآت. وأظهر تقرير نشرته منظمة (أنقذوا الأطفال) (Save the Children ) (بريطانية غير حكومية) بعنوان (كابوس حي: غزة بعد الحرب)، مؤخراً، أن ثلاثة أرباع أطفال غزة يعانون التبول اللاإرادي بشكل منتظم، فيما يفيد 89% من الآباء أن أطفالهم لديهم متاعب من مشاعر الخوف المستمر، وأن 70% من الأطفال يخشون حرباً أخرى، وأن 7 من 10 أطفال تمت مقابلتهم يعانون كوابيس بشكل منتظم.