قبل أن يُنتخب فإن كثيرا من التحليلات تقول إن تركيبة البرلمان الجديد ستكون على هوى السلطة التنفيذية، سيكون قريبا منها، مواليا لها، هذا الأمر ليس في صالح الديمقراطية، إذا كان يُراد ديمقراطية حقيقية، وليس شكلية، لا يوجد برلمان تفصيل خارج لجان التصويت في مراكز تشكيل المؤسسات، حتى لو كانت المؤسسة التشريعية، وهى إحدى المؤسسات الثلاث التي يُفترض أن تكون مستقلة في النظام السياسي، يجوز أن يكون برلمان السيسي، إذا كان له حزب سياسي، وحاز الأغلبية، مثل العديد من تجارب الأنظمة السياسية في العالم، خصوصا في نظم الحكم البرلمانية، لكن من الجيد ألا يكون للرئيس حزب مرتبط به، لأن تجربة الحزب الوطني المنحل طوال 30 عاما مع مبارك لا تشجع، حيث وجود رئيس الجمهورية على رأس الحزب يعني أن أجهزة الدولة تكون في خدمة الحزب، ويعني التأثير على توجهات الناخبين، ويعني زحف المرشحين على هذا الحزب ضمانا للفوز، وقضاء مصالحهم ومصالح دوائرهم، والبقاء في مناطق الأمان، والمصريون لم يعتادوا على الأحزاب والعمل السياسي الحزبي والتنافس حتى وإن كانت التجربة قديمة ولها جذور مع حزب الوفد أيام الملكية، لكن فترة مابعد 23 يوليو، وإلغاء الأحزاب، وسيطرة الدولة بالكامل على العمل السياسي، وقد استمرت السيطرة حتى لما عادت الأحزاب نهاية السبعينيات، ولذلك بعد ثورة 25 يناير، والانفتاح السياسي غير المسبوق، فإن الاحزاب بقيت على ضعفها، وهى مازالت ضعيفة لليوم رغم كثرتها العددية، وسمعت أن عددها تجاوز المائة حزب، لكن لا يوجد حزب واحد قوي يمكن أن يحصد عدد مؤثر من المقاعد بما فيها الوفد، وهنا لا ننظر لتجربة ونتائج حزب الحرية والعدالة المنحل في برلمان 2012 باعتباره حزبا سياسيا تنطبق عليه الشروط التي تجعله حالة منفردة ومتمايزة في الوضع المصري، فهو كان ذراعا سياسية لجماعة الإخوان،أي يستمد قوته من الجماعة، مثل الحزب الوطني المنحل الذي لم يكن حزبا بمعنى الكلمة، إنما كان حزبا للسلطة يستمد قوته منها، وحالة حزب النور ليست بعيدة أيضا عن ذلك، فهو أيضا الذراع السياسية للدعوة السلفية، وإذا كانت الأحزاب تنشأ لتعكس مصالح اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية لشرائح من المجتمع، فإن النور الحزب الوحيد على الساحة المرتبط بجماعة دينية، وليس قائما بذاته بعد حل الوطني والحرية والعدالة، يمكن أن يطور التجربة ويستقل عن جماعته ويكون حزبا قائما بذاته مفتوحا لكل الفئات والتيارات والتوجهات، وإذا كانت متطلبات تشكيل القوائم أجبرته على ترشيح مسيحيين، فسيكون مهما أن يجذب المزيد منهم كأعضاء مستمرين أكثر من كونهم مرشحين للضرورة. بطبيعة الحال من مصلحة السلطة التنفيذية أن تفرض سيطرتها أو سطوتها على سلطة التشريع، لا توجد سلطة تنفيذية في البلاد التي لا تعرف الديمقراطية الجادة تسمح ببرلمان مستقل يناقشها ويحاسبها ويراقبها وينقب وراءها، لم تتعود مصر على ذلك طوال تاريخها بعد يوليو 1952، فالبرلمانات كانت فرعا للسلطة التنفيذية، أو تابعا لها، والسادات لم يتحمل 13 صوتا معارضا له في برلمان 76 فقام بحله، وتم إسقاطهم في الانتخابات التالية باستثناء المستشار ممتاز نصار، ولم يتحمل مبارك برلمان يتضمن معارضة أوسع عما كانت عليه في برلمان 2005، فكانت أكبر عملية تزوير في برلمان 2010، والذي كان سببا في اندلاع ثورة يناير، وبرلمان 2012 الذي استمر نحو 6 أشهر فقط لم يُوضع تحت الاختبار الحقيقي حتى يمكن تقييم تجربته، لكنه كان إفرازا للمرحلة التي جرى انتخابه فيها، وطبيعة الأجواء آنذاك، واتصور أن الأوضاع لو كانت سارت كما هى، وأجريت انتخابات تالية، لكانت خريطة البرلمان الجديد تغيرت، ولم يكن حزبا الحرية والعدالة، والنور، وبقية الأحزاب الأسلامية ستحصل على نفس العدد الكبير من المقاعد، ففي الديمقراطية تصحح التجربة نفسها بنفسها، وتعدل أخطائها وتجاوزاتها، والجمهور هو من يفعل ذلك بنفسه، الديمقراطية في البلدان العريقة لم تصل إلى النضج مرة واحدة، بل عبر عقود حتى تستقر، وتتأكد ملامحها، والسلطة التي تحكم قبضتها اليوم لا تريد أي إزعاج، ولا أي انكشاف لقوانينها ووعودها ومشروعاتها التي لانعرف الحقيقي فيها من الأوهام، والإعلام يريد تصدير صورة أن هناك تأييد مطلق، وهذا غير الواقع، فهناك غضب مكتوم بدأ يظهر عبر كتابات متزايدة ناقدة وحادة في الصحف، ومن فريق الموالاة، وهناك غضب في الشارع من سوء الأحوال المعيشية والخدمية والغلاء الذي لم يكن يتوقعه المواطن الذي رحب بعزل مرسي باعتبار أنه فشل في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وهو نفسه المواطن الذي رحب بالسيسي حتى ينفذ وعوده ويحنو عليه، لكنه يجد اليوم خطابا أخر، خطاب الحديث عن الأزمات، وخطاب تقليص الدعم، وخطاب فرض رسوم وضرائب، وخطاب الغلاء القاتل للأمل. خلاصة المشهد الانتخابي الذي انطلق أننا غالبا سنكون أمام برلمان بلا تمييز سياسي أو حزبي، وبلا رؤية سياسية، برلمان العائلات والعصبيات والمواريث الاجتماعية والنيابية، برلمان المال السياسي، والشخصيات المنتقاة كما في قائمة "في حب مصر"، برلمان خليط، مخّلق، وهذا يفيد السلطة على مستويين، الأول: أن تكون هى ملاذا لذلك الخليط غير المتجانس من الأعضاء، فيسعون إليها، ويتقربون منها ويكونون في خدمتها، والثاني: أن ذلك المهرجان متداخل الأصوات فكريا وسياسيا ومصالحيا سيكون جيدا للسلطة أن تقدمه للشعب باعتباره ولادة مبتسرة مشوهة معطلة لها ولعملها فتلقي عليه بكل الأوزار، وأي إخفاقات، وتحصل هى على تفويض بأن تفعل ما تريد وتمرر ما تريد عبر برلمان ضعيف مستأنس. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.