جمال سلطان أيا كانت المبررات التي تقدم لاعتذار الرئيس مبارك عن حضور القمة الأفريقية المنعقدة في الخرطوم على حدود مصر الجنوبية ، فهي لن تزيل علامات الدهشة الكثيرة التي ظهرت على وجوه المصريين والنخبة السياسية بشكل خاص ، الرئيس علل عدم مشاركته في رسالة اعتذار إلى الرئيس السوداني عمر البشير بظروف خارجة عن إرادته ، وهي عبارة تندرج تحتها علامات استفهام كثيرة ، الرئيس مبارك وجد من نفسه الطاقة والنشاط لكي يعكف قرابة ثلاث ساعات في استاد القاهرة الدولي لكي يحضر احتفالات افتتاح البطولة الأفريقية ، والرئيس مبارك وجد من المهم لمصالح مصر وأمنها القومي فيما يبدو أن يسافر إلى البحرين من أجل أن يقدم واجب العزاء في وفاة شاب صغير من أبناء الأمير ، فهل مؤتمر القمة الأفريقي أقل أهمية من العزاء في وفاة صبي ، هل القمة التي تهتم بشؤون قارة تمثل صلب الأمن القومي لمصر أقل أهمية من حضور مباراة كرة قدم ، إن السودان وتشاد وأوغندا والقرن الأفريقي كله ، كلها مناطق تمثل خطورة كبيرة في المعايير المتصلة بحياة المصريين ووجودهم ، والأمر لا يحتاج إلى شرح ، وعلى مدار نصف القرن الأخير كله ومصر هي القائد والرائد للفعل السياسي في أفريقيا ، وهي المنسق للكثير من النشاطات ، والوسيط في الكثير من الخلافات ، والحكم في الكثير من الصراعات ، الآن يصل التهميش إلى حد أن القمة الأفريقية التي تعقد على حدود مصر تغيب عنها مصر ، فما الذي يمثل أمن مصر القومي إذن ، هناك أمور في بلادنا وتقدير القيادة السياسية أصبحت خارجة عن حدود التصور والمعقولية ، أنا لا أفهم أن إمارة صغيرة في الخليج العربي تصبح أكثر خطورة وأولوية في هموم رئيس مصر من السودان والقرن الأفريقي وأفريقيا كلها ، وبعض السفرات التي يعلن الإعلام الرسمي عن أنها تتناول الشؤون الدولية وقضايا كذا وكذا تكون أقرب إلى النكتة ، والمصريون يسخرون منها كثيرا ، لأنها غير معقولة ، وعندما ينسحب الرئيس المصري من مؤتمر القمة الأفريقي فهذا يعني أنه لم يعد لدى مصر أي أجندة محترمة لمستقبل علاقاتها الأفريقية وخاصة الحيوية منها ، مثل السودان والقرن الأفريقي ، وأن مصر تعتمد بشكل أساس على التخطيط الأمريكي والترتيب الأمريكي في المنطقة ، ثم تضبط البوصلة على هذه الوجهة ، ولذلك أصبح من الطبيعي الآن أن تجد العصابات المسلحة في الصومال أو تشاد أو غرب السودان لا تقيم أي وزن أو اعتبار للنفوذ المصري أو القرار المصري ، لا أقول الدول وإنما حتى العصابات المسلحة أصبحت تنظر إلى الدور المصري نظرة استخفاف وهوان ، كنت أتمنى أن يشارك الرئيس مبارك في مؤتمر القمة الأفريقي وأن يطرح ورقة مصرية تعيد الاحترام والهيبة إلى دائرة الحضور المصري في أفريقيا ، بدلا من أن نعيش زمان الهوان هذا الذي يصبح فيه الثقل السياسي لأسياس أفورقي في اريتريا أكبر وأهم من الثقل السياسي لرئيس مصر . [email protected]