الغارات الجوية التي تنفذها روسيا في سوريا منذ الأربعاء 30 سبتمبر الماضي أهم خطوة خارجية لروسيا منذ تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991. بغض النظر عمن تقصفه روسيا هل هو تنظيم داعش، أم الجيش الحر وفصائل المعارضة المسلحة المعترف بها كجزء من عملية التفاوض السياسي، فالأساس لروسيا أن مقاتلاتها تجوب سماء بلد عربي شرق أوسطي، وهى المنطقة المغلقة على أمريكا والخاضعة تقريبا كلها أو معظمها للنفوذ الأمريكي سياسيا وعسكريا واقتصاديا. نعم، لروسيا وجود تاريخي وقديم في سوريا موروث منذ حقبة الاتحاد السوفيتي واستمر بعد سقوطه كما تواصل بعد وفاة حافظ الأسد مع وريثه بشار لكنه كان وجودا مقبولا طالما كان خاملا ولم ينطلق إلى ممارسات استعراض القوة والتحدي، وهذا ما حصل عندما انطلقت المقاتلات لتقصف أهدافا على الأرض السورية، قد تكون تلك الأهداف لداعش أو للجيش الحر أو لكليهما معا، وفي كلتا الحالتين فإن نظام الأسد مستفيد فلوكانت لداعش فإن قواته ستزحف وتحتل الأرض التي يتم الهرب منها، ولو كانت للجيش الحر فإن النتيجه هى إضعافه في مواجهة قوات بشار وبالتالي ترجيح كفة النظام في كل الحالات بعد تراجع وانحسار، وهذا يفيده في أي تفاوض سياسي قادم، لكن فائدة الروس أهم وأكبر إذ أنهم وللمرة الأولى منذ 24 عاما يخرجون علنا على الساحة الدولية بعمل عسكري خارج حدود الاتحاد الروسي وخارج حدود البلدان الخاضعة له، أو حدائق الخلفية والأمامية ومناطق نفوذه في آسيا الوسطى، الثعلب بوتين ليس زعيما هينا، فهو يعملل بلا كلل لبناء إمبراطورية جديدة ونظام حكم حديدي يماثل النظام السوفيتي، حكم الفرد أيضا مع بعض الروتوش والمكياج الديمقراطي الشكلي لاستعادة المجد الإمبراطوري واستعادة القطبية الثنائية لوجودها مرة أخرى، أمريكا - روسيا عوضا عن أمريكا - الاتحاد السوفيتي، ويبدو أنه يسير على هذا الطريق بنجاح، الفارق بينه وبين الصين أن الأخيرة تمثل قطبية اقتصادية فقط مع أمريكا، أما هو فيريد روسيا أن تكون قطبية عسكرية وسياسية، ثم الاقتصاد قادم ، يتزايد منافسو أمريكا في لعبة صراع عالمي جديد تبدو فيه واشنطن باهتة مترددة مفرطة في الحذر في عهد أوباما بل انسحابية وربما لذلك يأتي للحكم بعد الديمقراطي أوباما جمهوري من تيار المحافظين المؤمنين بالقوة الأمريكية خارج الحدود واستعادة المجد الخافت ولهذا كان السيناتور جون ماكين أحد الصقور الجمهوريين حادا وهو يكيل الهجوم لبوتين ويصفه بالبلطجي والمتهور، كما كال الهجوم ل أوباما الضعيف الذي يهين القوة الأمريكية. إذن، روسيا تعلن عن مرحلة أكبر في بروزها كقطب منافس لأمريكا، وليس كقوة كبرى ضمن قائمة دول في العالم، وذلك عبر المقاتلات التي قصفت 25 هدفا في سوريا خلال يومين، وقد تفاخرت بدقة القصف، وجاء رئيس الحكومة العراقية ليزيد من ثقتها بنفسها وتوسيع دورها عندما أبدى رغبته في أن تقوم بضرب الإرهاب في العراق أيضا، وأكد أنه لو طلبت منه ذلك فإنه سيوافق من دون أن يتحدث عن برلمان منتخب يدرس الطلب، إنما سيؤشر بالموافقة فورا، هو حكم الفرد أيضا بغطاء ديمقراطي شكلي. العملية الجوية في سوريا لم تكن وليدة يوم الأربعاء الماضي بل هى مخططة فترة ، وقبل شهرين على الأقل بدأت الترتيبات العملية، وربما فوجيء الغرب بالعتاد العسكري الثقيل والخبراء والقوات الروسية التي تتقاطر على اللاذقية وطرطوس وبانياس، وقد تم بناء قاعدة جوية خاصة للمقاتلات الروسية ال 50 الحديثة التي تقوم بالقصف، وربما المفاجأة الأخرى أن الطيارين الروس هم من ينفذون الغارات في منطقة عمليات مشغولة بطيرات التخالف الأمريكي، لكن ليست كل الأمور سرية، فهناك جانب منها يخضع للتنسيق والعلم، فقد تم إعلام الأمريكان بالغارات قبلها بوقت، وإسرائيل أيضا تعلم من خلال مركز تنسيق مشترك بينها وبين روسيا، وهناك لقاء ولأكثر من ساعة في اليوم التالي لانطلاق القصف شمل محادثات مهنية وودية بين الجنرالات الروس والأمريكان لتنظيم حركة المقاتلات في أجواء عربية مستباحة للعالم كله على حساب الدماء العربية ولو كان تحت عناوين مكافحة الإرهاب حيث يسقط كثير من المدنيين وقليل من الإرهابيين لأنهم متمرسون على التعامل مع القصف وماهرون في التخفي والهرب والإختباء. روسيا تقول بصوت واضح نحن نعود كقطب مكافيء للقطب الأمريكي ومنافس له ونبدأ عملنا العسكري في سوريا وربما العراق، أي نتحرك عسكريا كما نشاء في منطقة نفوذ جوي أمريكي كامل لنحرج الأمريكان أمام العالم بأنهم إما فاشلون في استهداف الإرهاب، أو يتلاعبون بورقة الإرهاب، وتقول ثانيا نحن لانعمل خارج الأممالمتحدة أو موافقة الدول الراغبة في غاراتنا كما يفعل الأمريكان، فنحن لدينا موافقة وترحيبا من الحكومة السورية حتى لو كانت تلك الحكومة لاتمارس السيادة إلا على خمس الأراضي، وسيكون الحرج بالغا للأمريكان إذا ما أرادت روسيا التوسع في عملياتها لتشمل العراق حيث سيعتبر ذلك صفعة عراقية روسية مزدوجة للأمريكي، وتقول ثالثا نحن لانعمل بمعزل عن دول المنطقة فهناك مركز تنسيق سوري عراقي إيراني روسي لتبادل المعلومات حول الإرهاب وعملياتها تقع في واحدة من تلك الدول وليس مصادفة أن أعضاء هذا المركز يشكلون حلفا سياسيا ولوجستيا ويتبادلون الدعم العسكري ومتداخلون في العلاقات إلى مايشبه التحالف الوثيق، تحالف طائفي بغطاء سياسي روسي تمنحه الكنيسة الأرثوذكسية في موسكو الصبغة الدينية عندما تصف الحرب على الإرهاب بأنها مقدسة، أي تبارك الحرب الروسية. توقيت الغارات الجوية لم يأت مصادفة فهى مدرسة أيضا حيث جاءت عقب لقاء بوتين أوباما في نيويورك، وقد يكون بوتين أبلغ أوباما ببعض بتفاصيلها، ولو لم يكن أبلغه فذلك يمثل استهانة روسية بالأمريكي، وثقة روسية بالنفس وبالقدرة على المواجهة ، كما تأتي الغارات في خضم اجتماعات الأممالمتحدة حيث كان الموضوع الأول على أجندة الزعماء هو الإرهاب العالمي وعنوانه داعش، أي أن الظرف الدولي مناسب للعملية العسكرية الروسية التي حتما ستكشف الأيام القادمة مزيدا من أهدافها وخباياها وما سينشأ عنها من تطورات سياسية وعسكرية في المستنقع السوري وعلى مستوى دول المنطقة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.