في مشهد أبكى العالم أجمع احتضن الطفل الفلسطيني محمد الدرة أباه، لكي يحتمي من رصاص الاحتلال الصهيوني، لكن هذا لم يشفع له بعد أن قتلته رصاصة إسرائيلية. التاريخ هو في الثلاثين من سبتمبر عام 2000، في اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى، وسط احتجاجات امتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، ليكون استشهاده شرارة لاندلاع الانتفاضة الثانية. نشأ “الدرة” وسط مخيم البريج في قطاع غزة الذي تقطنه أغلبية كبيرة من اللاجئين، عاش في أسرة تعود في أصلها إلى مدينة الرملة، والتي احتلت وطرد أهلها منها عام 1948، وهي مكونة من أبيه وأمه وستة من الأبناء سواه. عرف محمد الذى كان يبلغ من العمر 12 عامًا بالشجاعة والجرأة، فكان عنيداً لا يعرف الكذب، يهابه الأطفال في سنه ومن هم أكبر منه سنًا، وفق ما قالت أسرته. والتقطت عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان المراسل بقناة فرنسا 2 مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد البالغ من العمر اثنى عشر عامًا، خلف برميل إسمنتي، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية. وعرضت هذه اللقطة التي استمرت لأكثر من دقيقة، مشهد احتماء الأب وابنه ببعضهما البعض، ونحيب الصبي، وإشارة الأب لمطلقي النيران بالتوقف، وسط إطلاق وابل من النار والغبار، وبعد ذلك ركود الصبي على ساقي أبيه. لحق محمد، الذي استشهد في حضن والده، من بعدها مئات الأطفال: محمد أبو خضير الذي حُرق بالبنزين وهو حي، الطفل الرضيع علي دوابشة الذي حرق وعائلته أحياء، الطفلة إيمان حجو، والطفل فارس عودة وغيرهم في ظل تخاذل دولى وعربي رهيب وتمادٍ لسلطات الاحتلال الصهيوني في قتل وتشريد الشعب الفلسطيني. خمسة عشر عامًا مرت على رحيل الدرة، ولم يتغير شيء، فالأقصى مهدد والمرابطون فيه يختنقون يومياً بفعل الغاز المسيل للدموع، ويتصدون للانتهاكات بصدورهم العارية، وكذلك غزة التى سيطر عليها الفقر بفعل الحرب عليها ومحاصرتها برًا وجوًا وبحرًا من قبل سلطات الاحتلال. سارعت قوات الاحتلال فى نشر الأكاذيب لنفى الحادثة، أولها كان الترويج لفكرة أن "الدرة مازال على قيد الحياة ولم يمت"، فبعد مقتله أعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي في بادئ الأمر تحملهم مسؤولية موته، وأبدت أسفها لمقتل الصبي، ولكنها تراجعت فيما بعد وصرحت بأن الدرة قتل برصاص القوات الفلسطينية. أكاذيب إسرائيل لم تتوقف على مدار ال15 عاما منذ وفاة الصبى وحتى الآن، لكن أكثر الأكاذيب نشرت عام 2013 عندما أعلن "بنيامين نتنياهو" رئيس وزراء إسرائيل، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، «أن الجيش الإسرائيلي بريء من قتل محمد الدرة في بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 وأن لجنة حكومية يرأسها وزير الحرب الحالي، موشيه يعلون، حققت في سبتمبر الماضي، عن مقتله، بتقرير بثته قناة "فرانس 2"، ولم تجد ما يدين إسرائيل، بل استنتجت أنه لا يزال حيًا من نهاية الفيديو وأنه كان مختبئًا في حضن أبيه، وظهر فيه بوضوح وهو يحرك يده».