بدأت روسيا اليوم الحرب فعليا على الشعب السوري ، بعد أن شن الطيران الروسي غارات مروعة على المدنيين في حمص ، وبشكل خاص الأحياء التي يسيطر عليها الجيش الحر الممثل للثورة السورية ، والتابع للائتلاف السوري المعارض المعترف به دوليا ، كثيرون فوجئوا بأن أول غارة روسية لم تكن ضد تنظيم "داعش" ، وإنما ضد المعارضة السورية التي تحارب داعش ، ولكني للأمانة لم أفاجأ أبدا بهذا الهجوم ، لأن بوتين المندفع كان واضحا في تصريحاته أنه يتدخل لنصرة بشار الأسد ونظامه ، وكرر ذلك مرارا وتكرارا ، والخطورة الحقيقية على بشار هي من قوى الثورة السورية وكتائبها المسلحة خاصة الجيش الحر وأحرار الشام وغيرهم ، وأما داعش فيتكفل بها أكثر من عشرين دولة كبرى بما فيها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا واستراليا ، وتم تقليص مساحات حركتها ووقف تمدداتها بالفعل طوال الشهور الماضية ، وساعد على ذلك انتصارات الثوار المتتالية على قوات بشار ، وأصبح زوال داعش مسألة وقت حتى وإن طال ، بوتين لم يذهب لكي يقصف داعش ، فلن يضيف كثيرا ، وإنما ذهب لكي يحارب الثوار والجيش الحر الذي يواجه بشار وداعش في آن واحد . متحدث أمريكي قال أن القوات الروسية طلبت من الولاياتالمتحدة سحب طيرانها من الأجواء السورية فورا لأن الطيران الروسي سيقوم بمهمات قتالية ، وهو ما رفضته أمريكا بطبيعة الحال ، كما سترفضه كل قوات التحالف الغربي ، ليس فقط لأنه مهين ، وإنما أيضا لأنه يكشف رغبة بوتين في استباحة الشعب السوري وفصائل الثورة بدون حسيب ولا رقيب ، تحت ذريعة أنه هناك لمحاربة داعش ، غير أن الملاحظ أن رد الفعل الأمريكي تجاه ما حدث كان باردا ، وكأن هناك ما هو متفق عليه بين الطرفين ولم يفاجأ الآخر به ، بل اعترف متحدث أمريكي بأن الروس أخبروهم بالغارات قبل وقوعها ، كما أشار خبراء سوريون بأن الغارات الروسية الأولى تجاهلت "الرقة" عاصمة داعش ومركز ثقلها ، واستهدفت مدينة حمص ، وهي أقل المدن اشتعالا ، لكنها جزء حيوي جدا في مشروع تقسيم سوريا وتأسيس دولة الشريط الممتد من دمشق لحمص للاذقية ، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال تصريحا مثيرا عقب عودته مباشرة من مقابلة بوتين في افتتاح المسجد الكبير ، قال أن بشار الأسد يريد أن يقيم دولة على مساحة 15% من الأراضي السورية . بوتين بدا مضطربا في تصريحات ومرتبكا ومتناقضا تحت وقع اندفاعه الشديد والمتعجل لإنقاذ بشار ، فقال أن عمليات قواته ستكون قصيرة ومحدودة ، ثم عاد ليقول بأنه سيظل هناك حتى يتمكن بشار من استعادة زمام المبادرة العسكرية ، وقال مرة أنه سيتعاون مع التحالف الغربي لمواجهة داعش ، ثم عاد جنرالاته ليؤكدوا أنهم يعملون وفق خطط منفصلة بل وطلبوا خروج كل طائرات التحالف من المجال الجوي السوري . بوتين مدرك أنه مقبل على مغامرة كبيرة ، وأن اللعب في سوريا ليس كاللعب في أوكرانيا ، لذلك هو حريص على أن لا يشارك في قتال على الأرض في سوريا رغم أنه أرسل قواته في أوكرانيا للقتال على الأرض بجانب المتمردين ، لأنه يعرف أن خسائره في سوريا ستكون فادحة للغاية ، وأن القتال في سوريا هو قتال وجود وعقائدي تتداخل فيه معاني الموت والحياة خاصة لدى كتائب الثوار والشعب السوري الذي قدم أكثر من ثلاثمائة ألف قتيل على يد النظام ومئات آلاف الجرحي وملايين المهجرين والمشردين في العالم وتدمير مدن بكاملها ، وبوتين يدرك كما يدرك أوباما وصرح به أن الشعب السوري لن يقبل تحت أي شرط بقاء بشار حتى لو امتد القتال مائة عام ، ولكن الخطر أن من سيدفع الثمن هنا ليس سوريا وشعبها وحده ، وإنما شعوب أخرى وعواصم أخرى ، يستحيل أن تكون بمنأى عن توابع صور أجساد الأطفال التي مزقها الطيران الروسي في أولى طلعاته . بكل تأكيد ، فإن الهمجية الروسية التي بدت معالمها في التورط بدماء السوريين وأطفالهم اليوم ، هي أعظم هدية تقدم لداعش وما هو أسوأ من داعش ، هي ماء الحياة الذي يستنبت المزيد من آلاف المقاتلين المتشددين الذين ينضمون لصفوف التنظيمات المتشددة ، تلهمهم صور جثث الأطفال وأجسادهم الممزقة والغزو الروسي المدعوم بمباركة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ، وتشحن صدورهم بالمزيد من الغضب والكراهية والرغبة في الانتقام والثأر بأبشع صوره .