ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن تخبط إدارة الرئيس باراك أوباما إزاء الحرب بسوريا, منح روسيا الفرصة للتحرك لملء الفراغ على المستويين العسكري والسياسي، وذلك في تغيير واضح لقواعد اللعبة الدولية في كل من سوريا والمنطقة. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 28 سبتمبر أن التعزيزات العسكرية الروسية المتزايدة في سوريا توضح مدى التسارع في استراتيجية موسكو بهدف فرض سياسة الأمر الواقع، ومنح الرئيس السوري بشار الأسد أملا جديدا، وذلك بعد تقهقر قواته وانهيارها أمام تقدم قوات المعارضة والفصائل والمجموعات المسلحة الأخرى، حتى صار الأسد لا يسيطر سوى على 17% من الأراضي السورية. وتابعت أن قوات الأسد بدأت بالتراجع منذ بداية العام الجاري، وذلك أمام زخم تقدم القوى المناوئة، وأن جيش الفتح -الذي يتألف في غالبيته من مسلحين إسلاميين- تمكن من دحر قوات النظام السوري في محافظة إدلب شمال البلاد وفي مناطق أخرى متفرقة. وأضافت الصحيفة أن نظام الأسد بدأ أيضا بفقدان أراض تضم حقولا نفطية أمام زحف تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق مثل تدمر وغيرها في سوريا، مما أعطى مؤشرات واضحة على قرب انهيار نظام الأسد، ووقتها تحرك الرئيس الروسي بسرعة لإنقاذ الأسد. وكانت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية نقلت خلال الأيام الماضية أنباء عن وصول قوات روسية إلى سوريا مزودة بعتاد عسكري ثقيل، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الاتصال بنظيره الروسي سيرجي لافروف لاستيضاح الأمر، مؤكدا أن خطوة كهذه تهدد بتفاقم الأزمة السورية. كما أكدت مصادر سورية مطلعة أن روسيا أرسلت العشرات من الخبراء والضباط إلى مدينة جبلة السورية الساحلية خلال الأسبوعين الماضيين، وأن روسيا تعتزم إقامة قاعدة عسكرية وجوية في مقر قيادة القوى البحرية بجبلة. وأكد العميد المنشق عن القوات البحرية السورية أحمد رحال النبأ، أن بارجة روسية رست في ميناء اللاذقية لعدم قدرة ميناء جبلة على استيعابها، وأنه تم نقل محتوياتها بشاحنات كبيرة مغطاة إلى جبلة ليلا. وقال العميد رحال ل"الجزيرة" إنه "سبق لطائرات روسية أن نقلت عشرات العناصر إلى جبلة عن طريق مطار حميميم في القرداحة "مسقط رأس بشار الأسد" في أغسطس الماضي، كما نقلت سفينة سورية جنودا من روسيا خلال الفترة ذاتها. وفسر ذلك بأنه تحضير لإنشاء قاعدة عسكرية وجوية فيها، لافتا إلى أنها ليست الأولى، فهناك قاعدة طرطوس التي أنشئت عام 1982، كما أن خبراء وضباطا روسيين يشرفون على أغلب غرف العمليات العسكرية للنظام. وعن الهدف من زيادة الوجود الروسي في سوريا، قال رحال إنه يهدف إلى حماية المصالح الروسية هناك، وتعزيز قواتها في آخر موطئ قدم لها على البحر المتوسط. وأشار إلى أن الهدف الثاني هو "حماية الدولة العلوية التي تعتزم إقامتها لآل الأسد غرب نهر العاصي بعدما أيقنت أن النظام سيفقد سيطرته على الداخل السوري، فهي لن تقاتل تنظيم الدولة وتدرك أن النظام لا يقاتله إلا إعلاميا". ولم يستبعد رحال أن تتولى القوات الروسية بشكل مباشر حماية الدولة المزمعة إقامتها في الساحل، مستشهدا بإقامة محطة رصد ومراقبة متطورة في مدينة صلنفة بإشراف روسي وإيراني، إضافة إلى زيادة عدد قواتها وعتادها في قاعدة طرطوس، وإشرافها المباشر على حركة الطيران في مطار حميميم. وكانت روسيا قد زودت النظام السوري بطائرات ميج31 حديثة في أغسطس الماضي، حيث وضعت في الخدمة على الفور، ورجح خبراء أن يكون طيارون روس هم من ينفذون الغارات الجوية بها على مواقع مقاتلي المعارضة، دون توجيه أي ضربة إلى تنظيم الدولة. وهذا ما أكده الطيار المنشق المقدم محمد السيد الذي أشار إلى أن الطيارين السوريين لم يتدربوا على استخدام هذا النوع من الطائرات, وقال ل"الجزيرة" إن الخبراء والطيارين الروس كانوا يشرفون على طلعات الطيران السوري، "لكنهم اليوم دخلوا المعركة ضد الشعب مباشرة وقادوا الطائرات التي تقصفه بأنفسهم". ونشر ناشطون سوريون صورا لعناصر قالوا إنهم من روسيا يشاركون في القتال ضمن جيش الأسد في معارك سهل الغاب وسط سوريا وحلب شمالا وريف اللاذقية غربا، وأكد الناشط الميداني هادي العبد الله ذلك على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك", كما أن المحلل السياسي الروسي فلاديمير أحمدوف لم ينف نية روسيا إقامة قاعدة عسكرية ثانية في جبلة, بعد قاعدة طرطوس.