لجنة الخمسين: تغيير الدستور سيفتح أبواب جهنم على النظام.. ومحللون: هدفه تقليص صلاحيات البرلمان "البرلمان المقبل سيواجه أزمات أثناء وضع قوانين لوجود مواد فى الدستور صيغت بحسن نية، والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط"، تصريح أدلى به الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال خطابه باحتفالية أسبوع شباب الجامعات لتقوم الدنيا ولا تقعد ضد التصريحات التى اعتبرها البعض اقتناصًا من صلاحيات البرلمان المقبل. لجنة الخمسين المنوطة بوضع الدستور السابق، قالت إن مجرد التلميح بتغيير الدستور نوع من الهراء لا جدوى منه، خاصة أن اللجنة التى وضعت الدستور تم تشكيلها من كل فئات المجتمع وتعبر عن كل فصائله، وهو ما أثار جدلاً واستياء شديدين وموجة من الانتقادات، فيما لبى العشرات من الساسة النداء وشكلوا حملات لتعديل الدستور. لجنة الخمسين، هى اللجنة التى وضعت مواد الدستور وبالتالى كانت من أوائل المدافعين عنه ضد تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى التى أكد البعض أنها البداية لتغيير بعض مواد الدستور. تصريحات السيسى عن الدستور كانت نقطة الانطلاق التى دعا منها مظهر شاهين، الداعية الإسلامي، إمام مسجد عمر مكرم، إلى تأسيس حملة "هنعدل الدستور" وذلك فى تدوينة له عبر موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، مشيرا إلى أنه سيعلن عن هيكلها التنظيمى قريبا، مؤكدا أن الحملة تستهدف أن يكون نظام الحكم فى مصر رئاسيًا على أن تكون السلطة التنفيذية فى يد رئيس الجمهورية بالكامل، وأن تكون مدة الفترة الرئاسية 6 سنوات لفترتين متتاليتين، وذلك فى الوقت الذى تكون فيه السلطة التشريعية والرقابة كاملة فى يد البرلمان على أن يتبع البرلمان كل الأجهزة الرقابية، ومنها الجهاز المركزى للمحاسبات، ليتمكن البرلمان من القيام بدوره الرقابى. وقال طارق نجيدة الخبير القانوني، إن تصريحات الرئيس تعنى إطلاقه إشارة البدء لتعديل الدستور، مشيرا إلى أن هذا التعديل يستهدف تعديل الحكومة على وجه التحديد، خاصة أن الدستور بصورته الحالية يقلص سلطات الرئيس فى تشكيل الحكومة أو فى عزلها ويوزع السلطات والصلاحيات، بحيث تصبح الحكومة مستقلة بدرجة كبيرة في سياساتها وبرامجها وأدائها تتم المحاسبة عليه أمام البرلمان وليس الرئيس. وأضاف نجيدة أن السيسى يريد إحكام القبضة على الحكومة بصورة تعود بنا إلى النظام الرئاسى الذى كان سائدًا فى دستور 71 حتى يتحكم الرئيس فى كل مناحى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مؤكدا أننا نسير تجاه حكم الفرد. من جانبه، قال "اتحاد نواب مصر"، إن "الدستور الحالى يشوبه كثيرًا من العوار وإنه معيب لإدارة الفترة الحالية والمستقبلية"؛ داعيًا الرئيس السيسى لإجراء استفتاء شعبي؛ للموافقة على تعديل المواد الدستورية المعيبة والمتناقضة. وقال المستشار ياسر القاضى أمين عام الاتحاد: "بادرنا بطلب تعديل رسمى من الرئيس وذلك فى مارس الماضى، فى حين توجهت إلينا وقتها سهام اللوم الشديد من العديد من السياسيين والنشطاء". وأضاف القاضى: "مصر لن تقوم لها قائمة بسبب هذا الدستور المعيب، الذى سيشل حركة البلاد فى كل خطوة تخطوها إلى الأمام". وتابع: "عوار الدستور لا يسمح بقيام مؤسسات سليمة"، مشيرًا إلى أنه هاجم انتزاع صلاحية من المحكمة الدستورية بخصوص الرقابة السابقة على القوانين، وهو ما يعنى أن تشريع أى قانون سيعرض لعدم الدستورية. وقال أحمد دراج، عضو الجمعية الوطنية للتغيير، إن الدستور بحاجة إلى بعض التعديلات فى بعض من مواده بشرط ألا تعطى تلك التعديلات صلاحيات للرئيس على حساب السلطة التشريعية. وأضاف: "يجب أن يكون الدستور به توازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية حتى تتحقق العدالة الاجتماعية وألا نسمح بتكرار أخطاء الماضي". وتابع: "يجب أن يحذر الرئيس السيسي، وألا يعطى صلاحيات للسلطة التنفيذية على حساب التشريعية، ويجب أن يُعدل الدستور ليكون دستورًا للبلاد يسير عليه كل الرؤساء وليس دستورًا ل السيسي، فمهما كانت أوضاع الدولة متوترة، الرئيس بحاجة لبعض الصلاحيات إلى أن تنتهى تلك التوترات". واستدرك: "يجب ألا يخطأ خطأ السادات الذى عدّل الدستور وأعطى صلاحيات لنفسه ولكن استفاد بها مبارك من بعده وظلت الدولة تعانى من فساده وقمعه الذى كان الدستور يُخدّم عليها".
رئيس حزب الكرامة، محمد سامي، عضو لجنة الخمسين قال إنه لا يوجد ما يسمى بالنوايا الحسنة فى عالم السياسة، خاصة أن لجنة الخمسين لم تكن اللجنة الأولى التى وضعت الدستور، فقبلها كان يوجد ما يسمى بلجنة العشرة التى قامت باختيار الأشخاص التى ستضع الدستور، وبالفعل تم اختيارها من جميع الفئات التى تمثل الشعب ومؤسسات الدولة، بدءًا من الأزهر والكنيسة مرورًا بالمجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للطفولة والأمومة وغيرها من مؤسسات الدولة، مشيرا إلى أن الحديث عن تغيير الدستور من العبث ويفتح أبواب جهنم على النظام ويعيد النظر فى خطوات خارطة الطريق. وأضاف سامى فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن المؤيدين لتغيير الدستور هم أناس اعتادوا التهليل لأى رغبة للسيسى، مشددا على وجود أكثر من مرجع استندت إليه لجنة الخمسين فى كتابة الدستور، أبرزها دستور 1971 ودستور 2012، قائلا: "أنا مصدوم من كلام الرئيس عن الدستور واعتبره مؤشرا خطيرا أن يتحدث رئيس الدولة بهذا الشكل". فيما قال نور فرحات، الفقيه الدستورى والقانونى: "لا أظن أن تصريح الرئيس السيسى بشأن الدستور تصريح صدر اعتباطا"، متسائلا: "هل كان مطلوبا أن يكتب الدستور بسوء نية؟ لماذا إذن ثارت ثائرة الشعب ضد مبارك عندما تلاعب بمواد الدستور ثم ضد مرسى وقدم شهداءه فى التحرير ومحمد محمود وأمام الاتحادية عندما أصدر مرسى إعلانه الدستورى الشهير"؟ مستطردا: "هكذا فعل الإخوان والسلفيون فى جمعيتهم التأسيسية الأولى ولهذا أسقطهم الشعب، هل الأوطان لا تبنى بالدستور"؟ وأضاف فرحات أنها طلقة البداية لكى يقوم مجلس النواب القادم بتعديل، لقد دخلنا منطقة الخطر وهذا ليس حديث النخبة التى يهاجمها الإعلام صباح مساء بل هو حديث الشعب. سيناريو السادات فى أحد أيام عام 1980، قرر الرئيس الراحل أنور السادات تعديل دستور عام 1971 الذى وُضع فى عهده أيضًا ليسمح بانتخاب رئيس الجمهورية مدد أخرى بعد انتهاء مدته الأولى بدلًا من مدة واحدة، والسادات كان لا يعرف بقدسية الدساتير ولا يراها إلا وسيلة لتعزيز حكمه وتوطيد كرسيه. اليوم يخرج الرئيس عبد الفتاح السيسى ويعاود سيناريو السادات من جديد بطلب تعديل الدستور وزيادة صلاحياته حتى يسحبها من يد سلطة التشريع، فهل يكون البرلمان القادم مطيعًا ومستأنسًا ويعدل الدستور بما يخدم الرئيس ويوسع صلاحياته؟ وقال سياسيون إن تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى التى لمح فيها إلى رغبته فى إجراء تعديل على الدستور الحالى يقلل من صلاحيات البرلمان لصالح رئيس الجمهورية، هو تكرار لنفس الأخطاء التى ارتكبها الرئيس الأسبق أنور السادات، حين أعطى لنفسه صلاحيات أكبر من البرلمان استفاد بها خلفه حسنى مبارك وظلت الدولة تعانى من فساده وقمعه الذى كان الدستور يُخدّم عليها. واعتبر محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، الحديث عن إجراء تعديل دستورى يقلل من صلاحيات البرلمان ويمنحها لرئيس الجمهورية "يعد هزلًا وتهريجًا سياسيًا واستخفافًا بإرادة الملايين التى خرجت لتأييد الدستور الذى يوازن بين السلطات بعدالة ونزاهة دون تحيز". وأبدى السادات تعجبه من الأصوات التى تنادى بتعديل الدستور بمجرد أن ألمح السيسى لذلك، متسائلًا: "أين كان عقل وصوت وتفكير هؤلاء الجهابذة، قبل أن ينادى الرئيس بذلك، بل إن بعض هؤلاء كان ينادى بتأييد الدستور ويعتبره الأعظم فى تاريخ مصر، وما إن أبدى الرئيس ملمحًا بتغيير الدستور انقلبوا على الدستور لينادوا بتعديله بحجة أنه يعطل عمل الرئيس". وأوضح السادات أن "صلاحيات الرئيس فى الدستور واسعة وكبيرة ولا داعى للدخول فى متاهات وأمامنا استحقاق سياسى يتمثل فى انتخابات البرلمان لابد أن نتكاتف لإنجازه، فلا برلمان موجودا من الأصل ونتخوف من تعطيله لعمل الرئيس ولا دستور ترجمناه إلى قوانين وتشريعات لنتحدث عن تعديله، وأنا من أوائل من تحفظوا واعترضوا على كثير من مواد الدستور، ولكن ليست هذه هى الأولوية الآن على الإطلاق". لجنة الخمسين لجنة الخمسين اجتمعت من أجل وضع مواد الدستور، ولكنها اختلف بعد تصريحات السيسى الأخيرة والتى لمح فيها إلى رغبته فى تعديل الدستور، فى الوقت الذى قال فيه عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان ناصر أمين، عضو اللجنة، إن إرادة الأمة هى التى كتبت الدستور لبناء دولة تحترم سيادة القانون وحريات مواطنيها، مؤكدا أن الدستور جعل المؤسسات تحكم الدولة بعدما كان يحكمها عصابات وعائلات وصفت نفسها بأنها نظا.م ووافقه الرأى محمد عبد العزيز، عضو لجنة الخمسين قائلا "درس اليوم": "الدساتير يجب أن تكتب بنوايا سيئة عشان تعجب". وقال كمال الهلباوي، عضو لجنة الخمسين إن الدستور الحالى به أزمات ينبغى معالجتها فى أقرب وقت، وأبرزها صلاحيات الرئيس المحدودة جدًا، بحسب قوله. وتوقع الهلباوى أن يتم تعديل صلاحيات الرئيس مع انعقاد البرلمان المقبل، خاصة أن الظروف التى كتب فيها الدستور سيئة ويجب تدارك الأخطاء التى وقعت فيها لجنة الخمسين. وفى نفس السياق، قال نقيب المحامين، عضو لجنة الخمسين سامح عاشور، إن حديث السيسى مجرد إشادة بالنوايا التى كتب بها الدستور وليس معناه شىء آخر، قائلاً: "تعديل الدستور له طريقة حددها الدستور نفسه، وهو أمر وارد بعد انتخاب برلمان جديد سواء صرح بذلك رئيس الجمهورية أم لم يصرح". البرلمان كلمة السر الدكتور محمود كبيش عميد كلية حقوق جامعة القاهرة السابق، أكد أن الرئيس السيسى عندما صرح بأن الدستور كتب بنوايا حسنة وأن الدول لا تبنى بالنوايا الحسنة إشارة إلى أن لديه بعض الملاحظات عليه، مشيرًا إلى أنه لابد من تعديل بعض مواد الدستور، ومنها إلغاء الكوتة وأن تأتى تلك الفئات المهمشة من الممارسة المجتمعية، وأيضًا تقليص صلاحيات البرلمان، فهناك مبالغة فيها، فمصر لا يناسبها النظام البرلماني. وأضاف كبيش فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن أغلب المرشحين للبرلمان ليس لديهم توجه سياسى وكل ما يرغبون فيه هو الدخول فى البرلمان، وبالتالى لن يكون البرلمان القادم مناهضا أو معارضا للرئيس، لأن أغلب أعضائه مستقلون بلا انتماء سياسي. ومن جانبه، قال الدكتور جمال سلامة، الخبير السياسى، إن حديث الرئيس إشارة قوية لضرورة تعديل مواد كثيرة فيه، لأن به العديد من الثغرات التى تسبب إشكاليات كثيرة مع بعض القوانين المطلوبة للمرحلة الراهنة وتعديل الدستور من أجل تلاشى أى عيوب تعوق مسيرة البلاد، مشيرا إلى أن الدستور كتب بنوايا حسنة، لأن اللجنة التى كلفت بكتابته كانت لديها الرغبة فى تأسيس دستور جديد وإتمام أولى خطوات خارطة الطريق، متوقعا أن يتقدم أعضاء البرلمان المقبل بطلب لرئيس الجمهورية لتعديل الدستور وربما إعادة صياغته من جديد، وقد يطلب منهم رئيس الجمهورية ذلك. فيما قال مدحت الزاهد القيادى بحزب التحالف الشعبى الاشتراكى، إن هناك من يعمل على تصدير فكرة أن الدستور ملغم وأنه يقيد صلاحيات الرئيس والدولة، بالإضافة إلى ترويج فكرة أن هناك قوى ستنقض على الرئيس وتسحب السلطة منه. وأضاف الزاهد أن هناك معركة الآن بين طرفين، الأول يرى أنه على البرلمان المقبل إعادة صياغة التشريعات بما يتوافق مع دستور 2014، والطرف الثانى يرى ضرورة إعادة صياغة مواد الدستور التى ترسخ فكرة الحكم المطلق والصلاحيات المطلقة للدولة، من هنا جاء حديث الرئيس للبناء على فكرة أن الدستور ليس قرآنًا ومن الممكن تعديل ما هو ضرورى فيه. وفى سياق مختلف، استبعد نقيب الصحفيين السابق، ضياء رشوان، أن يكون مقصد الرئيس عبد الفتاح السيسى "الدستور كتب بحسن نية والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط"، تغيير الدستور، بدليل عدم إذاعته فى قنوات التليفزيون، مشيرا إلى أن التلميح بأن المهمة الأولى للبرلمان هى تغيير الدستور رسالة سلبية عن شكل النظام السياسى فى مصر وأهدافه وتركيبه، مؤكدا أن الدستور لم يتم تطبيقه حتى الآن لأن تطبيقه يحتاج إلى قوانين وتشريعات. وأوضح رشوان أن البرلمان هو الجهة الوحيد المنوط بها تعديل الدستور، مؤكدا أنه ليس من المنطقى المناداة بتعديل الدستور، فهو يضم 247 مادة وبه 7 أبواب، وأنه إذا قصد البعض إجراء تعديلات على الباب الخامس "نظام الحكم"، فيجب أن يعلموا أنه يضم 120 مادة بما يعادل نصف الدستور، وإن أى مادة يرغبون فى تعديلها سيترتب عليها تعديل عشرات المواد الأخرى.