بدأت السبحة تكر في ملفات الفساد التي أشرت إليها قبل يومين ، وتم إلقاء القبض على وزير الزراعة في عملية سينمائية خاطفة بميدان التحرير حيث أنزلوه من سيارته الرسمية ونقلوه إلى مقر احتجازه لخضوعه للتحقيق ، ونقلت سيارة الوزير فارغة مع سيارة الحراسة الخاصة بها إلى ديوان الوزارة ، وذلك بعد لحظات من خروج صلاح هلال من لقائه مع رئيس الوزراء حيث قدم استقالته أو بمعنى أصح أبلغوه رسميا بقرار إقالته ، وكانت كل التقارير التي لدينا تؤكد أن وزير الزراعة سيقع بين لحظة وأخرى ، ويبدو أن الجميع انتظر عودة السيسي من رحلته الآسيوية نظرا لخطورة القرار ، ومساسه بالحكومة وسمعتها في ظروف سياسية ملتبسة ومحرجة . كما أشرت في مقالي السابق "السيسي يقترب من الدائرة الخطرة" ، فهناك قضايا فساد من العيار الثقيل تنتظر قرارا سياسيا قبل تحريك الأمور قضائيا ، ووزير الزراعة ليس الرأس الكبيرة الوحيدة التي ستطير ، فهناك رؤوس أخرى ربما أكبر من رأس وزير الزراعة ، وهناك معلومات عن مفاوضات وراء الستار تتم الآن من أجل تسوية مالية تستعيد بها الدولة حقوقها المغتصبة من "رؤوس كبيرة" قبل أن تتم الإطاحة بهم "بدون بهدلة" ، وربما شهد نهاية هذا الأسبوع تعديلا وزاريا يستبعد فيه عشرة وزراء على الأقل من حكومة إبراهيم محلب ، والأسباب لن تكون بعيدة عن الملفات التي فتحتها بجرأة وشجاعة الرقابة الإدارية ، التي يبدو أنها استعادت عافيتها ، خاصة وأنها كجهاز سيادي يملك استقلالية وحصانة وظهيرا قويا من المؤسسة الصلبة يتيح له ممارسة رسالته الرقابية بكل قوة . والحقيقة أن أكثر من قضية خلال الأشهر الماضية هي من العيار الثقيل ، قام بضبطها الرقابة الإدارية ، منها ضبط مسئول أمني رفيع جرى تسويقه في الإعلام الرسمي والموالي باعتباره بطلا مكافحا للفساد قبل أن تضبطه الرقابة الإدارية متلبسا ، غير أن قضيته ابتعدت لأسباب لا نعرفها عن التغطية الإعلامية ، وبالمناسبة ، فمدير مكتب وزير الزراعة الذي تم ضبطه بمعرفة الرقابة الإدارية أيضا ، كان عضوا في "لجنة مكافحة الفساد" التي شكلها الوزير !! ، فإذا به يضبط متلبسا بأم الفساد ، والأكثر غرابة أن هذا الشخص كان مرشحا لمنصب مساعد أول الوزير ، وقبل ضبطه بيوم واحد أتت تزكية جهاز أمني كبير لترشيحه باعتباره "شخصية وطنية مناسبة للمنصب" ! ، حيث ينتهي الكسل الأمني إلى حصر التقييم للشخصيات العامة بكونها معارضة أو غير معارضة ، قريبة أو بعيدة من الإخوان وأنصارهم ، دون بحث جاد أو تنقيب في مجمل سيرة الشخص وكفاءته ونزاهته وصلاحيته التامة للمنصب الرفيع . لا أعرف ما إذا كانت القضايا الجديدة سيتم فرض حظر النشر فيها أيضا أم لا ، خاصة وأن بعض الأسماء قد تكون محرجة لمؤسسة العدالة ذاتها ، وأنا لا أستطيع أن أقتحم تقديرات النيابة العامة في ذلك ، ولكن من المنظور السياسي فإن مثل هذه القرارات تضر أكثر مما تنفع ، خاصة وأنه قد جرت العادة على أنها تصدر عندما تكون القضية متعلقة بشخصيات رفيعة ، سواء قضائية أو أمنية أو وزارية ، وبالتالي فإن منع النشر يصنع غمامة كثيفة من الضباب حول الموضوع ، وربما يتوسع الخيال كثيرا وتنتشر الشائعات أكثر ، كما أن المجتمع يعتبر أن روح "العدالة العمياء" تستدعي المساواة في القضايا والتحقيقات وكرامة المواطنين واستواء سمعتهم أمام القانون ، لأنه مؤلم جدا أن يكون هناك مستويات بين المواطنين أمام جهات التحقيق ، بعضهم ينشر في كافة وسائل الإعلام عن تفاصيل التفاصيل في التحقيقات الخاصة باتهاماتهم ، والبعض الآخر يتم بسط الحماية القانونية على مجريات التحقيق معه لحين الانتهاء منه ، والله أعلم .