فعلت العوامل التى قدمنا فعلها فى تطور الوعى السياسى ، وإذا الأحداث يأخذ بعضها برقاب بعض ، وإذا الأمور تجرى سراعاً وإذا الشباب النابه تأثر إلى حد بعيد بما يجرى حوله وما يدور فى أفق السياسة العالمية ، وما ينبغى أن تكون عليه الحال فى مصر ، وتختمر الآراء فى نفسه وإذا هو يقوم بثورته ويقوض النظام القائم العائق فى سبيل كل تطور وتقدم ونهوض . وأول أمر أقدم عليه التطويح بالرئيس السابق ثم التمهيد لقيام الديمقراطية ثم إعلان هذا النظام . وكان هذا الإجراء ضرورة لتخليص مصر من الحكام الفاسدين وجورهم واغتصابهم حقوق المصريين وأرضهم ، وتصرفاتهم الشاذة تصرفات السادة الذين لا يؤمنون بشورى ولا يعرفون معنى الديمقراطية ، ولا يتذوقون روح العدالة . وكان من الطبيعى أن يزاح من الطريق الوجوه التى أعانت الملكية الفاسدة ولم تكبح جماحها وأرخت لها العنان ومجدتها حتى سدرت فى غوايتها وأمعنت فى استبدادها وطغيانها . وكان من الحتم اللازم أن تغير العقلية القديمة ، وأن تحل محلها عقليات تقدمية تؤمن بالأوضاع السليمة وبالديمقراطية الحقة التى تلائم وضعنا وكياننا ، والتى تعرف النظر إلى وراء أو التلكؤ أو التعثر . العقليات الناضجة ، العقليات الفتية التى لا تؤمن بالعجز أو القصور أو التردد أو الضعف . العقليات المؤمنة بحق وطنها ، عليها ألا تعرف غيره هدفاً . وسوف تتقدم مصر على يديها تقدماً سريعاً ملحوظاً لم تتقدمه البلاد فى عشرات السنوات ، وتقطع فى أعوام ما عجزت عنه العصور السابقة جميعها . ومن الطبيعى أن ثورة 25 يناير يؤمن بها شباب نابه تقدمى ، ستعمل حساباً للطبقتين المتوسطة والكادحة ، وأن تخفف عنهما الأعباء الثقال التى أوهنت كواهلهما ، وأن تقدم على مشروعات تؤمن مستقبل أفرادها ، وأن تقوم بأعمال لصالح الأجيال القادمة . ولن يتأتى هذا الوضع إلا إذا قام فى مصر نظام ديمقراطى معتدل ، مما يطلق عليه الديمقراطية . إن هذا النظام أكثر ملاءمة لمصر من الأنظمة المغايرة ، لم ؟ لأن مصر ظلت أمداً طويلا محرومة من كل إصلاح فى أى ميدان من الميادين ، وهذا الحرمان طال عليه الزمن حتى تعقد وأصبح من العسير القضاء عليه إلا بقوى جبارة لا تتوفر إلا فى مثل النظام الديمقراطى . ولأن مصر أشد ما تكون حاجة إلى التماسك والتآزر والوحدة حتى تستطيع أن تقوى مادياً وروحياً وتصمد لما يحاك لها فى الخارج وما يدبر لمستقبلها فى الخفاء . ولأن مصر تحتاج إلى إيجاد نوع من التوازن بين الطبقات فيها ، فلا تطغى طبقة على طبقة ، ولا تتحكم جماعة فى جماعة ، أو قلة فى أغلبية . إن مصر تمر الآن بأخطر أطوارها ، لأنها تعمل الآن للأجيال القادمة فإذا لم تستلهم دستورها ونظامها من ظروفها وحياتها وأحوالها منيت بإخفاق ذريع . ويجب علينا أن نتعظ بتجاربنا وتجارب غيرنا فى دستورنا الجديد ليكون الدستور المصرى الصميم .