اللواء العصار يؤكد فى أحد تصريحاته أن ميدان التحرير لا يمثل الثمانين مليونًا من المصريين..واللواء الملا يؤكد بعده أن مجلس الشعب القادم لا يمثل كل فئات الشعب . والمعارضون لحكم المجلس العسكرى يؤكدون أنه لا يمثل الثورة . والمعارضون للحكم بجملته يقولون بأن لا الحكومة الحالية . ولا الحكومات السابقة التى جرى تشكيلها منذ يناير وحتى الآن تمثل إرادة الثورة والثوار . مصر إذن فى حالة ارتباك وفوضى فى قمة هرمها . أما إذا نزلنا من فوق القمة إلى السفح سنجد الفوضى التى لم يعد أمرها يخفى على أحد . فوضى الشارع الذى أصبح يعج بالانفلات الأمنى والأخلاقى والانفلات السلوكى إلى غير ذلك من أنواع الانفلات التى تعكس حالة من الارتباك ضربت جميع المناحى فى مقتل . وليس أدل على هذه الحالة من الارتباك والفوضى التى نشهدها فى قمة السلطة من التراجع المستمر الذى يمارسه المجلس العسكرى بعد كل قرار يتخذه أمام أى احتجاج يبديه هذا الطرف أو ذاك . وكان آخر هذه التراجعات هو ما قام به بعد التصريح الذى أدلى به اللواء الملا لمراسلى الصحف الأجنبية الذى أعلن فيه أن المجلس الاستشارى سيختص بوضع الضوابط اللازمة للدستور المزمع إصداره . فقررت جماعة الإخوان المسلمين الاحتجاج على ذلك بإعلان انسحابها من هذا المجلس الذى كانت قد وافقت على المشاركة فى عضويته . حينئذ سارع المجلس العسكرى بنفى ما قاله الملا . معلنا أن مجلس الشعب هو المنوط به وحده وضع الضوابط والمعايير اللازمة لتأليف الدستور بمشاركة الجميع فيه . ورغم ذلك استمر الإخوان العودة للمشاركة فى المجلس الاستشارى الذى أصبح هدفًا لسهام النقد والتجريح من قادتهم . لم يكن هذا هو التراجع الوحيد للمجلس العسكرى عن قراراته . هذا التراجع الذى أصبح سمة من سماته مما جعل البعض يتجرأ عليه أكثر . ويطالب بعودة أعضائه إلى الثكنات بعد أن أثبت فشله فى إدارة المرحلة الانتقالية . والتنازل عن سلطات لمجلس رئاسى من شخصيات مدنية . ولكى يتحايل المجلس العسكرى على هذا المطلب قرر تشكيل المجلس الاستشارى المدنى مسندًا إليه مهمة تقديم المشورة للمجلس العسكرى وإعداد مشروعات القوانين أو المراسيم التى يصدرها بوصفه القائم بأعمال الرئاسة ومهامها التنفيذية بالإضافة لمسئولية إصدار القوانين التى كانت من اختصاص مجلس الشعب المنحل . مما أثار السؤال المنطقى الذى يتردد على ألسنة المراقبين الآن . كيف يتنازل المجلس العسكرى عن سلطات رئيس الجمهورية للدكتور الجنزورى وفى الوقت نفسه يظل محتفظًا بهذه السلطات لنفسه ويطلب من المجلس الاستشارى أن يعينه على القيام بها . ألا يعنى ذلك أن سلطات رئيس الجمهورية أصبحت موضع نزاع بين رئيس الوزراء والمجلس العسكرى .. فأى طرف منهما له الغلبة إذن حدث خلاف حول من الأمور بين الطرفين..ثم كيف يتنازل المجلس العسكرى عن سلطات الرئاسة للجنزورى ثم بعد ساعة من ذلك يقف الجنزورى نفسه وهو رئيس جمهورية ليؤدى اليمين الدستورية أمام رئيس آخر هو المشير حسين طنطاوى؟، وإذا كان للجنزورى سلطات رئاسية حقيقية حصل عليها من المجلس العسكرى بالفعل . فلماذا يؤدى الوزراء فى الحكومة الجديدة اليمين أمام المشير طنطاوى وليس أمام الجنزورى ؟ أليس ذلك كله دليلا على الارتباك والفوضى والتخبط الذى تبدو عليه الحالة فى قمة الهرم وهى الفوضى التى زادت عن حدها ففاضت وطفت نزولا على جميع أحوالنا فغمرت الشارع المصرى من أوله إلى آخره. إننا نشعر بأن المستقبل فى مصر لا يزال رواية تبحث عن مؤلف متمكن . قادر على ترتيب الأحداث فيها ترتيبًا منطقيًا حتى وإن كانت هذه الرواية خالية من دور البطل !! [email protected]