الأهالي: ضربونا وكسروا بيوتنا.. يرضيك يا ريس اللى حصل فينا؟! أكوام من القش والصاج هو آخر ما تبقى من عشرات العشش التي اتخذتها عشرات الأسر ملجأ لهم، يجلسون فوقها رافضين المغادرة، وهو المكان الذي أكدوا إقامتهم فيه منذ أكثر من نصف قرن صارخين: "ما زلنا ندفع العوائد للحكومة بانتظام منذ 60 عامًا".. إنهم أهالي "عشش السودان" الذين قامت قوات الأمن بإزالة العشش التي كانوا يقطنون بها منذ عدة أيام. فبعد أن وعدت الحكومة بتسكينهم فى وحدات سكنية تم إعدادها فى ذات المنطقة الكائنة بحي الدقي بمحافظة الجيزة، فوجئ الأهالي بقيام قوات الشرطة بإزالة مساكنهم بالقوة بعد طردهم منها، حيث لم يعترض الأهالي على المغادرة، ولكن فى مقابل أن تفي المحافظة بما وعدت به وتقوم بتسليمهم الوحدات السكنية للإقامة بها.
لم يكن الإخلاء سهلاً حيث وقعت عدة اشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن التي كانت تحرس اللوادر والمعدات لهدم مساكنهم البسيطة، قام عدد من الأهالي بالمغادرة لتسلم وحداتهم السكنية الجديدة، بينما لم يجد الآخرون أسماءهم فى كشوف تسلم الوحدات السكنية ليقوموا بالتوجه إلى مسئولي الحي متسائلين: "أين الوحدات الخاصة بنا وأين سنقيم بعد إزالة العشش؟!" ولم يكن الرد سوى المطالبة بمغادرة العشش وعدم تعطيل عمل معدات الإزالة.
تطور الأمر ليقوم الأهالي بإلقاء الحجارة على قوات الأمن معلنين رفضهم المغادرة، وردت قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع والخرطوش، بل وصل إلى الاشتباك البدني مع الأهالي لطردهم بالقوة، فتم الاعتداء على النساء والمسنين بل حتى تم إجبار الأطفال على مغادرة المكان. ورصدت " المصريون" حال الأهالي الذين أصبحوا يعيشون فى العراء بعد أن تمت إزالة مساكنهم وتركهم فى الشارع بلا مأوى، فيما وصفهم محافظة الجيزة ب"المخربين" الذين يريدون الحصول على شقق سكنية دون وجه حق. وقال "م.م" أحد سكان العشش: "إحنا عائلة مكونة من 14 فردًا كنا نسكن فى عشة كبيرة مساحتها نحو 100 متر فكيف تخصص لنا المحافظة وحدة سكنية فقط للإقامة بها وكيف يجلس 4 أسر فى هذه الوحدة بالرغم أنها بالإيجار. وتابع: "إحنا أكثر من 300 أسرة خصصت المحافظة لنا 145 شقة فى المشروع فكيف يسكن الجميع بهذه الوحدات وهم متزوجون ولهم أطفال، إحنا مدفونين وعيشتنا بؤس، مفيش لقمة ولا نومة نظيفة الرحمة حلوة يا حكومة إحنا بندفع عوايد من 60 سنة والأرض بتاعتنا وسجلوا أسماءنا فى كشوف الشقق ومشفناش حاجة".
وقال الحاج "ع.أ: "ضربونا وكسروا بيوتنا، هدّوا علينا العشش وعندنا 11 مصابًا من الغاز والخرطوش إحنا وعيالنا اترمينا في الشارع، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي رمونا في الشارع، يا ريس هو اللي حصل ده يرضيك اللى معاه فلوس دفع للحى وحصل على شقة واللى مش معاه قاعد فى الشارع؟!".
وأردف: "الشقة 40 مترا ملهاش لزمة، وإحنا مش معانا فلوس عشان نأجر شقق المحافظة إزاي تقولوا تطوير العشوائيات يعنى الناس الغلابة تاخدوا مننا فلوس إيجار طب إحنا مش هنعرف ندفع الدفعة الأولى اللى استلمت الشقق منعوا يدفعوا الإيجار لأنهم مش لاقيين وإحنا زيهم بنقول حسبنا الله ونعم الوكيل فى المسئول اللى مش بيرحمنا وإحنا غلابة".
وانتقد أحد الأهالي طريقة إخلاء العشش، قائلًا: "إحنا مش إرهابيين علشان يضربونا بالخرطوش والغاز وإذا دافعنا عن نفسنا بالطوب يتقال علينا إرهابيين، عاوزين نقول للسيسي ارحمنا وانقلنا لشقق بدل ما إحنا قاعدين فى الشارع هو ده التطوير اللى وعدتونا بيه، إحنا مدفونين بالحيا يا ريس؟!".
مرتضى عبد الصادق، أحد سكان العشش التي أصبحت فى خبر كان بعد إزالة الحي لها مع العشرات من العشش الأخرى، حيث يجلس بجوار ما تبقى من أثاث عشته الذي أصبح فى العراء هو وأبناؤه الثلاث وزوجاتهم يقول: "الحكومة استكترت علينا العشة نعيش فيها عاوزين يخلونا نقعد فى شقة 40 متر كلنا 22 شخص طب إزاي؟!". ويتابع: "أنا خدمت البلد فى حرب أكتوبر وفى الآخر شوية عساكر يهدوا العشش بتاعتنا والحكومة تسبنا فى الشارع أنا عملت ياما عشان نستر عيالنا وحريمنا من عيون الناس والشمس وحسبي الله ونعم الوكيل". ومن جهتها فقد أعلنت محافظة الجيزة فى بيان لها، تسليم 75 وحدة سكنية لأسر عشش السودان ضمن المرحلة الثانية حيث تم تسليم 30 وحدة سكنية ضمن المرحلة الأولى فيما سيتم تسليم 40 وحدة ضمن المرحلة الثالثة والأخيرة. وقال اللواء علاء الهراس، نائب محافظ الجيزة، إن مراحل مشروعات تسكين أهالي شارع السودان بتكلفة 26 مليون جنيه، بتوفير 145 وحدة سكنية كاملة المرافق، لافتًا إلى أن اعتراض الأهالي على إزالة العشش يأتي لرغبتهم فى الحصول على أكثر من وحدة سكنية بزعم أن لديهم أكثر من أسرة تعيش فى العشة الواحدة. وتابع: "المحافظة لم تأخذ الإيجار الشهري من سكان المرحلة الأولى حتى هذه اللحظة، وقام الأهالي ببيع هذه الشقق، وأنشأوا عششا أخرى، بغرض الحصول على وحدات جديدة واللي ليه حق هياخده واللى ملوش مش هياخد حاجة". فيما أدان الناشط عاطف أمين مؤسس التحالف المصرى لتطوير العشوائيات، وعضو الهيئة العليا لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، تدخل قوات الأمن لإخلاء عشش أهالي شارع السودان، والاعتداء عليهم باستخدام، قنابل الغاز المسيلة للدموع. وأضاف أمين، أن محافظة الجيزة لم تسلم الأهالي الشقق البديلة التي وعدتهم بها، قبل الإخلاء، قائلاً: "الأهالي فوجئوا بحملة الإزالات دون سابق إنذار من قوات الأمن أو المحافظة، بالرغم من تأكيد وزيرة التطوير الحضارى والعشوائيات الدكتورة ليلى إسكندر أن الإنسان محور التطوير، وأنه لن يكون هناك إخلاء قسري للمواطنين من سكان العشوائيات". وأكد مؤسس التحالف المصرى لتطوير العشوائيات، أن من حق كل مواطن مصرى أن يعيش حياة آدمية وكريمة، وأن تعمل الدولة على تحسين مستوى المعيشة للفئات الفقيرة والمهمشة وتحقيق العدالة الاجتماعية، مشيرًا إلى أن التحالف يرى أن مخطط مصر بلا عشش يعتبر نقلة حضارية لتحسين أحوال المقيمين بها اجتماعيًا وبيئيًا وثقافيًا ولكن لابد أن يتم ذلك بطريقة مدروسة وسليمة و بالضمانات التي تكفل للمواطنين حقهم في المسكن الملائم". وما زال العشرات من الأسر والمواطنين يجلسون فى العراء فى انتظار أن يتدخل أي مسئول للنظر فى حالهم والمن عليهم بمنحهم وحدة سكنية تحميهم من حرارة الشمس نهارًا وبرودة الجو ليلًا فهل من مجيب؟ سؤال نطرحه على من يستجيب.