أعترف أني سمعت هذا الاسم و لأول مرة بعد أبحاث أخيرة قمت بها تتعلق بالكشف الأخير لحقل الغاز الضخم في البحر المتوسط، و أعترف أني لم أكن أعلم الكثير عن ثروات مصر الضائعة بإهمال و تعمد ، غير بعد اعلان الحكومة المصرية وشركة الطاقة الإيطالية "إيني "عن هذا الاكتشاف الذي قد يوفر لمصر احتياطات عملاقة من الغاز، حيث أنه يحتوي على احتياطيات أصلية تقدر بحوالي 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، حسب تأكيد وزارة البترول المصرية في بيانها. و لأني أحب التنقيب في الكواليس الخلفية لكل خبر ، هالني أن أصطدم بالعديد من المفاجآت الحافلة بأدوات الاستفهام ، لماذا و كيف و أين الحس الوطني في الحفاظ على ثروات مصر من عبث العابثين و المجرمين .
البداية ،،
جبل من أكبر الجبال الغاطسة في العالم ، يعود إسمه إلى العالم السكندري إراتوسينيس (276- 194 ق.م.) و الذي استمد الجبل اسمه منه ، و هو ثالث أمناء مكتبة الإسكندرية ، و الذي وصف منطقة تقع أعلى دمياط ب 190 كم تعيش بها أسماك و قشريات مختلفة عن باقي الأحياء البحرية في البحر المتوسط .
هذا الجبل يقع ضمن ملكية تاريخية لمصر منذ عام 200 ق.م ، وقد بدأ إجراء المسوحات المختلفة لجبل إراتوستينس في 1966 من قبل سفن أبحاث بريطانية ، ثم أمريكية (1977-2003)، ثم روسية (1994) ثم بلغارية (2003). و هناك أكثر 20 ورقة بحثية إسرائيلية عن جيولوجيا المنطقة نشرت بين عامي 1980-1997.
و تشاء الأقدار أن يكون هذا الجبل هو أداة الوصل بين أكبر حقول غاز في البحر المتوسط ، لتفرض أولى علامات الاستفهام المنطقية نفسها على الأحداث ، أين هي تلك الحقول؟ و لماذا لم تستفد مصر من أي منهم ؟ و هي التي أجبرت على تغيير نشاطها من منتج للغاز إلى مستورد له ، حتى وصلت الديون المصرية لشركات البترول العالمية الى 6 مليار دولار !
فتش عن نوبل إنرجى الأمريكية ورويال دتش شل البريطانية ، و فساد شركات التنقيب
في عام 1999 أرست مصر أكبر امتياز تنقيب بحري يبلغ (41.500 كم2) علي شركة " رويال دتش شل" في شمال شرق البحر المتوسط والذي أطلق عليه اسم " نيميد Nemed " و الذي يمتد من شمال الدلتا حتي السفح الجنوبي لجبل " إراتوستين".
و في هذه الأثناء ، حمل رولاندس ( وزير الخارجية القبرصي ) على عاتقه إدخال بلاده في مفاوضات سرية مع سفير اسرائيل و الرئيس السابق جورج بوش ، مدفوعا من شركات الطاقة الأمريكية لترسيم المنطقة الاقتصادية اولا بين قبرص و لبنان ثم قبرص و مصر ، و قد لاقى عرض الوزير القبرصي قبول ( على بياض ) من وزير البترول آنذاك سامح فهمي ، حيث لم يعترض على أي من ال 8 نقاط الإحداثية و التي حلم بتحقيق بعضها الوزير القبرصي ، فإذا بفهمي يتنازل عن كل الإحداثيات لصالح قبرص ! و بالفعل في فبراير 2003 وقعت مصر مع قبرص اتفاقية ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة ، تم فيها اقتسام المياه الاقتصادية بين البلدين مناصفة .
و لم تكذب إسرائيل خبرا ، و بدأت على الفور في الحفر في جبل "إراتوستينس" شمال دمياط ، أي أن مصر لم تعد تجاور قبرص ، بل أصبحت تفصلها مياه إسرائيلية هي جبل إراتوستينس البحري المصري!
وفي فبراير 2004 أعلنت شركة «شل مصر» اكتشاف احتياطيات للغاز الطبيعي شمال شرق البحر الأبيض المتوسط، و أعلنت البدء في المرحلة الثانية من عملية الاستكشاف و التي ستستمر لمدة 4 أعوام بغية تحويل الحقول المكتشفة إلي حقول منتجة
و في 2007 ، أعلن رئيس «شل مصر» ان الشركة لم تجر أي أنشطة حفر منذ عام 2004 ولم تلتزم بتنفيذ تعهداتها وتعاقدها في فترة الامتياز
في 2008، أعلنت إسرائيل عن نشرها مجسات في قاع البحر المتوسط
وفي 2010، أعلنت شركتان إسرائيليتان بالتعاون مع نوبل إنرجي الأمريكية، عن اكتشاف حقل " لفياثان" العملاق في جبل إراتوستينس، باحتياطي 16 تريليون قدم مكعب، و استعانت إسرائيل بسفينة استكشاف أميركية لأخذ عينات من إراتوستينس، و سبر أعماق السفح الجنوبي منه ، و الأدهى أنها لم تكتف بالتعدي على منطقة ترسيم الحدود الاقتصادية و الإقليمية المصرية بل نزلت جنوباً وصولا الى سواحل مصر، و نشرت افتخارا صور لضفاف النيل من الأعماق !
تعدي آخر على مناطق التقسيم قامت به قبرص و التي خرج رئيسها على شعبه مبشّراً إياهم في يناير 2011، باكتشافهم أحد أكبر احتياطيات الغاز عالمياً، تقدر بقرابة 27 تريليون قدم مكعب، في ما يسمى "بلوك-12" و الذي يقع ضمن منطقة إمتيازات ( Nemed ) في السفح الجنوبي لإراتوستينس والمتقاطع تماما مع حقلها المكتشف و الذي سمي ب أفروديت ، في نفس العام الذي أعلنت فيه شل انسحابها من امتياز التنقيب المصري في منطقة شمال شرق البحر المتوسط !
و حقل آخر استولت عليه اسرائيل و قامت بتطويره في أبريل 2012 ، و هو حقل شمشون البحري و الذي يقع قرب سواحل مصر ، لم لا و هي لم تلق أي ردود أفعال دولية تشجب قرصنتها البحرية على حقول لا تقع في نطاقها ، و للتدليل على ذلك ، يكفي أن تعلم أن :
المسافة بين حقل شمشون و شمال دمياط تقدر ب 114 كم ، و بينه وبين حيفا 237 كم ، و المسافة بين حقل ليفياتان و شمال دمياط 190 كم و حيفا 235 ، اما أفروديت فرغم قصر المسافة إلى قبرص 179 كم منه إلى مصر 190 كم إلا ان أفروديت تقع ضمن امتياز Nemed 1999 .
و أخيرا ، معرفتي بثروات مصر الضائعة عن إهمال و عمد جعلتني لا أتفاءل كثيرا بالكشف الأخير الرائع ، اذا أثبت التاريخ أن مجرد الكشف لأجل الكشف وحده لا يكفي، و أنه يجب أن يكون هناك عقود ملزمة ببنود جزائية قاسية عند التخلف عن الالتزام بتحويل الحقول إلى حقول منتجة .
أما بخصوص الكشف الأخير ، فستبرز مسألة فنية متمثلة في أبيار الغاز ، و هل ستكون مشتركة بين قبرص و مصر بحيث تتقاسم قبرص معه الثروة المكتشفة أم ماذا ، كل تلك أسئلة يجب الإجابة عنها قبل الفرح و الاستبشار بمستقبل مبهج وواعد ثم الاستيقاظ على الواقع المرير.