عاد الاحتفال بعيد العلم مرة ثانية بعد إلغاء دام أكثر من ربع قرن ، وهو أمر يرحب به كل عاقل في هذا الوطن ، لأن تكريم العلماء أوجب من تكريم أهل الفن والكرة الذين يحظون باهتمامات تكاد تجعل النشاط الإنساني في هذا البلد قاصرا على النشاط الفني والكروي ، مع تردي الفن والكرة إلى حضيض غير مسبوق ، يكفي أننا لم نفز على مستوي العالم أو الإقليم بأية جائزة فنية ، ولم نفزفي مباراة واحدة على دولة ذات مستوي متوسط في كرة القدم بل كانت الهزائم هي الحصاد الذي توج بصفر كبير عندما جرت عملية الاختيار لإقامة المونديال .. تكريم العلماء تصحيح لوضع معوج ومنحرف ، فالأمم تبنى بالعلم أولا وثانيا وثالثا ، ويدعم هذا البناء الفن الحقيقي الذي يحمل هوية الوطن وقيمه وأمانيه وقضاياه، لاالفن الذي يؤصل للتفاهة والسطحية والانحطاط .. و لايرقي إلى فن العوالم الذين لايدعون الفن ولكنهم يطلبون الصدقات أوالإحسان أو الأجر القليل ؛ كما كان يحدث في قرانا قبل ظهور التليفزيون ! ويدعم هذا البناء أيضا الرياضة الحقيقية التي تصقل الأجساد وتشكل الأجسام تشكيلا قويا يقدم شبابا يستطيع أن يعمل بجد ويتحمل الصعاب ، أما الرياضة الفاسدة فهي رياضة التعصب واللاعب الواحد والسبوبة التي يستفيد منها السماسرة والمرتزقة الذين يهبرون أموال الدولة ولا تعنيهم الرياضة الحقيقية، وتسفر عن أصفار كبيرة وضخمة!! .. كان من الجيد أن يتحدث الرئيس في عيد العلم العائد عن الاهتمام بالعلم وإقامة مجتمع المعرفة ، وتوفير الدعم للأبحاث العلمية ، بالإضافة إلى حديثه عن حرية الرأي وحق كل صاحب رأي في التعبير عن رأيه وعدم مصادرته .. وهذا كلام حسن في مجمله ، ولكن سيادته لم يتطرق إلى الواقع الذي يهدم كل هذا الكلام ويقف عقبة كأداء في سبيل تحقيق الحرية الفكرية والبحثية ومجتمع المعرفة .. ويعرف السيد الرئيس أن ميزانية البحث العلمي أقل من 05و% من ميزانية الدولة ، وأن الباحثين في الجامعات والمراكز البحثية يعيشون بين نارين؛ الأولى تدني أجورهم إلى مستوى غير مقبول ، ولا يتساوي الواحد منهم في أجره مع ممثل أو مطرب درجة ثالثة أو كومبارس ، والأخرى القمع البوليسي الذي يحكم الجامعات ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة، ويجعل لضابط محدود الثقافة اليد العليا في جامعة أو كلية تمتلئ بالأساتذة والباحثين ، وقد دفع هذا الوضع كثيرا من الباحثين إلى هجرة الوطن بحثا عن لقمة عيش مناسبة مغموسة بالهوان والمذلة، أو بحثا عن الحرية والتقدير في بلاد تعرف قيمة العلم والعلماء ولا تفضل عليهم العوالم ولاعبي الكرة ! لقد كان تفريغ البلاد من أساتذة الجامعات الممتازين والباحثين الجادين؛ جريمة كبرى يتحمل وزرها النظام الذي آثر أن يضخ اهتمامه ورعايته في نشاطات هامشية لاعائد من ورائها إلا الفساد والإفساد. ويضخم الميزانية لوزارات ترعى أصحاب هذه النشاطات التي لاتعود على الوطن بأي خير.. هل يجد عاقل خيرا في المهارج والمؤتمرات والندوات والمجالس التي تتعدد وتتلون وتتكرر دون أن تترك أثرا ذا بال في الفكر أو الثقافة أو العلم أو الفن أو المجتمع؟ تمنيت لوأن النظام كان مخلصا لفكرة البحث العلمي ومجتمع المعرفة وتأمل مايجري في الكيان النازي الصهيوني الذي يحتل أرض فلسطين من اهتمام بالبحث العلمي والاكتشافات العلمية في شتى فروع المعرفة والعلم، وتأمل ما ينفقه هذا الكيان الغازي من أموال وما يخصصه من ميزانيات جعلته يتفوق على مصر في خمسين عاما تفوقا ساحقا ، مع أن مصر مليئة بالخبراء والباحثين والعلماء الذين يفوق عددهم عدد سكانه في بعض التقديرات، ولكنهم ثروة مهملة على أحسن الفروض ، ويستفيد بها الغير لصناعة التقدم في بلاده نظير مقابل بسيط! إن العقبات التي توضع في طريق مجتمع المعرفة والعلم كثيرة ، ويصعب الإحاطة بها في هذا الحيز الضيق ، وتكفى الإشارة على سبيل المثال إلى أن وزيرا سابقا غير نظام الترقيات في الجامعات وجعله على أساس من الفرز السياسي ، فمن كان في صف السلطة عبر الترقية إلى درجة أعلى، ومن كان في الضفة الأخرى حرم من الترقية ولو كان عبقري العباقرة !! هكذا يتحرك رجال النظام للقضاء على البحث والمعرفة . إن المجتمعات لاتبنى بالعوالم من طبالين وزمارين ومشخصياتية وأشباههم في المجال الثقافي والفكري ، ولكن تبنى بالعلماء الجادين والباحثين المخلصين الذين يتحركون في جو الحرية والكرامة والانطلاق والعيش الكريم .