شهدت العاصمة الروسية موسكو الثلاثاء وصول 3 زعماء عرب، يقع الملف السوري على رأس قائمة مباحثاتهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أضخم حراك دبلوماسي تقوده موسكو بشأن الأزمة السورية. ووصل الرئيس عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وولي عهد أبو ظبي نائب رئيس الإمارات محمد بن زايد إلى موسكو، للمشاركة في افتتاح معرض الطيران الدولي (ماكس)، بيد أن الدائرة الصحفية للكرملين أوضحت في بيانات منفصلة أن الزعماء سيجرون لقاءات ثنائية مع نظيرهم الروسي، والتباحث حول عدة ملفات بينها تسوية الأزمة السورية. وعقب القمة التي جمعت بوتين بعبد الله الثاني، أكد الأخير أن لروسيا "دورا محوريا" في الأزمة السورية، سيسهم في إيجاد حل سياسي "يشمل جميع الأطراف، ويضمن الاستقرار لهذا البلد الذي عانى الكثير". وقال العاهل الأردني، بحسب ما نقل عنه الديوان الملكي، مخاطبا الرئيس بوتين: "إن دوركم ودور بلدكم في منطقتنا محوري وأساسي، ويسعدني أن أكون معكم هنا مجدداً في موسكو للاستماع إلى وجهة نظركم، ولتبادل الآراء مع أصدقائنا هنا"، في إشارة واضحة إلى أن الملك عبد الله حضر إلى موسكو برغبة روسية في إجراء مباحثات حول الملف السوري، بمشاركة الزعيمين الآخرين. وكثفت روسيا في الآونة الأخيرة جهودها الدبلوماسية المتصلة بالشأن السوري، وأجرت مباحثات ومع الولاياتالمتحدة وتركيا والسعودية ودول الخليج العربي. وأثار الدور الروسي المتصاعد في عملية تهيئة الأجواء الإقليمية والدولية، وكذلك جمع أطراف المعارضة السورية، لحل سياسي في سوريا تكهنات المحللين حول الموقف الأمريكي حيال روسيا في هذا الصدد، وهو ما أكده دبلوماسيون أوربيون لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء، الذين ذكروا أن الحراك الروسي الأخير جاء نتيجة تفويض أمريكي، وهو ما أسفرت عنه لقاءات وزيري الخارجية الروسي والأمريكي خلال الأسبوعين الأخيرين. وبحسب مراقبين، تتفق مواقف البلدان الثلاثة التي يشارك زعماؤها في مباحثات موسكو على القبول بسقف "منخفض" للحل السياسي، وهو ما جعل روسيا، التي تؤمن بدور بشار الأسد بالمرحلة الانتقالية، تبدأ طرح أفكارها على هذه الدول. وكانت روسيا قد استضافت أكثر من جولة للمفاوضات بين وفد من نظام الأسد، برئاسة مندوبه في الأممالمتحدة مصطفى الجعفري، وبين وفد من المعارضة الداخلية المصنفة على أنها قريبة من النظام، وهو المفاوضات التي رفضها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. لكن روسيا دعت مطلع أغسطس/ آب الجاري الائتلاف، برئاسة خالد خوجة، لزيارة موسكو، وكان لافتا أن الوفد التقى في منتصف الشهر الجاري بوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في بادرة هي الأولى من نوعها على صعيد الموقف الروسي من المعارضة السورية المطالبة لإسقاط الأسد ورموز نظامه، بعد أن كانت تحافظ على صلة ضعيفة بالائتلاف، وتقتصر على مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف. وجاءت دعوة روسيا للوفد السوري المعارض، بعيد شروعها في حوار صعب مع السعودية حول الملف السوري، بدأ بزيارة لولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى موسكو التقى خلالها الرئيس بوتين والمسؤولين الروس، ليتبع اللقاء السعودي الروسي، لقاء ثلاثي ضم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيريه الأمريكي جون كيري، والسعودي عادل الجبير، استضافته الدوحة، في منعطف ينظر إليه على أنه بداية الحوار الاستراتيجي بين هذه الدول فيما يتعلق بالملف السوري، والذي تلته خطوات وتحركات روسية عديدة تتصل بهذا الملف. بيان مفاجئ وبالإضافة إلى دعوة الائتلاف لزيارة موسكو اللقاء بوزير الخارجية، أصدر مجلس الأمن، قبل أسبوع، بيانا رئاسيا "مفاجئا"، أقر فيه ما قال إنها خطة للحل السياسي في سوريا، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ نحو عامين. وتمتلك روسيا في مجلس الأمن الدولي حق الفيتو، سواء كان اعتراضا على قرار أو على بيان. ودعا البيان لعملية انتقالية تتضمن تشكيل هيئة حكم يشترك في تشكيلها النظام السوري والمعارضة، في محاكاة لبنود بيان جنيف الأول، بالإضافة إلى تشكيل أربع مجموعات عمل، لمناقشة موضوعات مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار والأمن والمسائل السياسية. وانتقدت المعارضة السورية الغموض في العديد من بيان مجلس الأمن، وأعلن الائتلاف الوطني تحفظه على مضمونه، وهو أصلا عبارة عن الخطة التي وضعها المبعوث الدولي لسوريا، ستيفان ديمستورا، لما يسمى بالحل السياسي. إلا أن الطريقة التي أقر بها البيان، تشي بمدى اتفاق الدول دائمة العضوية، وعلى رأسها روسياوالولاياتالمتحدة، على الخطة وما سيترتب عليها. إذ أعلنت فنزويلا بعد إقرار البيان تحفظها على عدد من بنوده، وكشف المندوب الفنزويلي ومندوبو دول أخرى غير دائمة في المجلس أن البيان تم إقراره دون إجراء مشاورات حوله معها، وأكدت أن فرنسا التي صاغت مسودة البيان طرحت المسودة وطلبت التصويت عليها دون إتاحة المجال لدراستها. وتضمن بيان مجلس الأمن بشأن خطة الانتقال السياسي في سوريا جدولا زمنيا لتطبيق الخطة بداية من أكتوبر/ تشرين الأول القادم، ما يعني أن التحركات الروسية التي بدأت قبل صدور البيان تتكامل معه وتأتي في إطار اتفاق غير معلن مع واشنطن على هذه التحركات. وفي هذا الإطار أيضا، أقر مجلس الأمن مطلع الشهر الجاري قرارا بتوسيع مهمة اللجنة الأممية لتقصي الحقائق حول استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، لتشمل تحديد الجهة التي استخدمته، وهو ما كانت روسيا تعترض عليه قبل عامين، وذلك بتنسيق روسي أمريكي أيضا. ويرى البعض في هذه الخطوة استكمالا للدور الروسي المتعلق بالأزمة السورية، وهو ما يمكنها من الضغط على نظام الأسد عبر ورقة السلاح الكيميائي للقبول بتسوية تعمل موسكو على إنضاجها.