كان أحد الدعاة العرب فى زيارة لألمانيا ، وفى أحد المراكز الإسلامية ألتقى برجل غربى أعجبه الإسلام ورغب فى اعتناقه ، لكنه قال للداعية : الإسلام جميل ورائع وأنا مقتنع به ، لكن هناك أمرًا واحدًا لا أستطيع تركه وامتثال أوامر الإسلام فيه !! سأله الداعية : وما هو؟ فقال : العلاقات النسائية !! فكر الداعية فى الأمر وأسعفته الذاكرة بقصة النبى صلى الله عليه وسلم مع الرجل الأعرابى الذى جاء يطلب أن يسمح له بالزنا ، فقال له صلى الله عليه وسلم :أترضاه لأمك ؟ فقال لا ، قال :أترضاه لأختك ؟ قال لا ؟ فقال، قال كذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم وأخواتهم .. الحديث . فقال الداعية للرجل الألمانى : أترضاه لأمك ؟! فقال ..نعم وما المانع !! قال له : أترضاه لأختك ؟! قال ..نعم ومال المانع !!! كثير من الدعاة يتعجب ويستغرب من ردات الفعل التى تعود إليه من خطابه الذى يطرح فيه أفكاره وتصوراته على الملأ، وغالبا ما تكون انطباعاته عن ذلك سلبية وهجومية : الناس لم تفهم !! الناس لا تعرف !! الناس لن تدرك !!إن هذه مسلمات !! وتلك بديهيات !!ولا ينتبه إلى أن حديثه التلقائى المسترسل المنمق الملىء بالمصطلحات الشرعية التى يستوعبها" هو " ويدرك مغازيها ومقاصدها ومراميها ، لا تدركه فئات غير قليلة من الناس ، فهو بحكم التخصص لا يجد أدنى غضاضة ولا مثقال ذرة من مشكلة فى ذكرها وتكرراها واستملاحها ، هذه الطريقة صائبة وصحيحة مع الأقران والأتباع الذين يدورون فى ذات الدائرة ، شب عليه الصغير وهرم عليها الكبير ، أما إن خرجت للدوائر الأكبر فالأمر مختلف جدًا . أذكر أحد الدعاة البارزين فى بلده ألقى ذات مرة كلمة فى عرس وكان أغلب الحضور من دوائر المجتمع الأكبر ، وبعد أن أنهى كلمته جلس بجوارى وقال لى : أقطع ذراعى إن كان هؤلاء الناس قد فهموا شيئا !! وهنا المشكلة الأخطر والأكبر فى الخطاب الدعوى ، الاستعلاء على الناس ، واتهامهم بالجهل وعدم الفهم !! لماذا لا نتحمل المسئولية وتكون لدينا الشجاعةالتى تحملنا على الاعتراف بالإخفاق فى تبسيط المفاهيم حتى يستوعبها الناس ، وأننا بحاجة جادة وضرورية إلى أساليب خطاب جديدة تحافظ على سلامة المنهج وتطور فى الوقت نفسه طريقة العرض حتى تبلغ رسالة الله إلى الناس بأفضل صورة . غالبا ما ينسى الكثير من هؤلاء أنهم لم يولدوا دعاة أوعلماء أومفكرين ، وأنه يوما ما كان هناك من " نزل بخطابه" إليهم و" صبر" على صدهم و"تحمل "تقلباتهمو" استوعب " قصور فهمهم و" رحم " ضعفهم.. كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم.لا تكمن المشكلة "غالبا "فى المنهج الدعوى ومصادره التى يستقى منها ، المعضلة الأهم دائما وأبدا فى اتباع الوسائل الصحيحة لإقناع الآخرين بصواب ما تدعو إليه،وهذا المطلب ضرورة ملحة فى ظروف العمل الدعوى الطبيعية ، فما بالنا بالوقت الذى كثر فيه الراصدون والمتربصون والمتصيدون لكل شاردة وواردة ، ولكم أكون مشفقا حينا وحزينا أحيانا حين أشاهد بعض الدعاة فى البرامج الحوارية يقاتلون بعنف لإقناع المحاورين والضيوف بصواب فكرتهم ولكن على طريقة : " ما لهؤلاء القوم لا يفقهون حديثا " ، إن الخطاب الاستعلائى والاستعدائى جر وسيجر ويلات كثيرة على العمل الدعوى قبل السياسى ، فالذين كانوا يقبلونك دعويا فى زمن القمع والاضطهاد لن يرحموا إخفاقاتك وتجاوزاتك وتكرار سقطاتك وكثرة استفزازاتك فى العمل السياسى وخطابك الإعلامى، سواء كانوا من خارج التيار الإسلامى أو من داخله ، فقد انكسرت جرة العفريت الذى كانوا يخافونهم به ، ولم يعد هناك عفريت !! تلك أحد أهم التحديات الحقيقية التى تواجه الخطاب السلفى فى هذه المرحلة الحرجة من العمل الذى اختلط عليهم فيه " جبرا ودون ترتيب أو دون وعى أحيانًا " الدعوى بالسياسى بالإعلامى ، أمواج بعضها فوق بعض ، وإن كان مقبولا أن تقع مثل هذه الأمور فى بدايات الممارسة وحداثة التجربة ، فليس بمقبول تكرار ذات الخطاب بذات الأخطاء من ذات الأشخاص . يجب على الخطاب السلفى فى هذه المرحلة أن يتجاوز ويعدل القناعة القائلة بلسان الحال : هذه طريقتنا ومن لا يعجبه فليشرب من البحر !!فليس بلازم ولا هو قدر محتوم على الناس أن يقتنعوا بصواب طريقة الخطاب الدعوى التى تنتهجها ، كما أنه ليس هناك ما يجبرهم على الشرب من هذا البحر!! إن بديهيات الحكمة فى الخطاب الدعوى التى تعلمها الجميع أنه يجب مراعاة الحال والواقع ، وإقبال الناس وإدبارهم ، وضرورة ترتيب أولويات الخطاب ،وأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ،وغير ذلك من القواعد الشرعية العظيمة، فلماذا نتميز دائمًا فى التنظير ، ونخفق فى التطبيق . • إعلامى مصرى مقيم فى السعودية