يبدو أن الاعتداء على حرية الصحافة بات مسلسلًا متكررًا في مصر وأصبحت "صاحبة الجلالة" في خطر، الأمر الذي يشكل تهديدًا واضحًا من قبل السلطة الحالية لكل صوت حر يدافع عن حقوق الشعب ويعمل كما هو مخول له بموجب القانون والدستور والاتفاقيات الدولية في مراقبة السلطة الحاكمة والعمل على كشف الحقائق للرأى العام ليكون على بصيرة تامة بكل ما يتعلق بما يحدث في الداخل والخارج. وتعد الصحافة عنوانًا للدولة في الداخل والخارج، ومرآة لعافيتها أو ضعفها، وينظر العالم أجمع إليها كمقياس لمدى ما تتمتع به الدول بالحرية والعدل من عدمه فإذا تم الإخلال بحرية هذه المهنة العريقة تعرض الأمن القومي للخطر. منع موضوعات بعينها من النشر والاعتراض عليها والتهديد بوقف طبع الصحيفة أصبح معتادًا في مصر حاليا فقد أوقفت مؤسسة "الأهرام"، اليوم طبع العدد الأسبوعي ل "المصريون"، المقرر صدوره غدًا الأحد، وهي المرة الثانية التي يُعطل فيها طبع الجريدة، بعد أن سبق وعطلت جهات أمنية الطبع عددها الصادر في 14 ديسمبر الماضي، بسبب تحفظات على محتوى العدد. وأرسلت صفحات العدد الجديد لمطابع "الأهرام" في وقت مبكر صباح السبت، إلا أنها تفاجأت بصدور أوامر مجهولة بوقف الطبع، وذلك بسبب اعتراضات على مقال جمال سلطان، رئيس التحرير، بعنوان (لماذا لا يتوقف السيسي عن دور المفكر الإسلامي)، الذي ينتقد تركيز الرئيس على مسألة الخطاب الديني أكثر من انشغاله بواجبات وظيفته الأساسية، وهو الأمر الذي اعتبره مراقبون سابقة خطيرة تعود بمصر إلى الوراء وتشكل انتهاكًا صارخًا لحرية الصحافة في مصر. وطلب المسؤولون ب "الأهرام" استبدال المقال، بعد أن أبدوا اعتراضهم على فحواه الذي ينتقد انشغال السيسي بالحديث المتكرر عن الشأن الديني، وأهمية تجديد الخطاب الديني، وتصحيح المفاهيم الدينية، وضبط صحيح الدين، والقراءة الصحيحة للتاريخ الإسلامي، ويطالبه بالتوقف عن توجيه الدروس لعلماء الدروس في تخصصاتهم وقضايا الدين والفكر، والقيام بدوره كرئيس جمهورية معني بقضايا الاقتصاد والأمن والصحة والتعليم والخدمات الضرورية للمواطنين. واعترضت "الأهرام" أيضًا على تقرير في الصفحة الرابعة، بعنوان "الغموض يحيط بزيارة السيسي إلى بريطانيا خوفًا من الاعتقال.. الرئيس و12مسؤولا مهددون بالملاحقة.. وخبير: الدعوة الملكية تحميه من المسائلة"، والذي يتناول مصير زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى بريطانيا، المقررة قبل نهاية العام الجاري، واستمرت الأزمة عدة ساعات، في ظل اتصالات مع مسؤولي "الأهرام"، إلى أن تم السماح بطباعة "المصريون"، بعد أن قامت الصحيفة بتغيير مقال رئيس التحرير، والموضوع الآخر. لم تكن صحيفة "المصريون" وحدها التي تعرضت لحجب موضوعات بعينها أو التهديد بوقف الطبع أوقفت مطابع "الأهرام" طباعة صحيفة "الصباح" الأسبوعية، في عددها الأخير بتاريخ 22/8/2015، بسبب مقال للدكتور أحمد رفعت نجل الدكتور رفعت سيد أحمد، ينتقد الناشط السياسي محمد بدران، رئيس حزب "مستقبل وطن". المقال ينتقد ندوة بدران في العدد الماضي التي قال فيها إن حزب "مستقبل وطن" ليس حزب رئيس الجمهورية، وإنه قال للرئيس السيسي إن الحزب من الممكن أن يخرج ويعارضه إذا خرج عن تنفيذ خارطة الطريق، ليرد عليه الدكتور أحمد رفعت بمقال يهاجمه فيه بأنه الفتى المدلل لرئيس الجمهورية وإن "مستقبل وطن" خارج من بطن النظام، وهو ما تسبب في منع طباعة الصحيفة. وعلى الفور طلبت مطابع الأهرام من الكاتب الصحفي وائل لطفي، رئيس تحرير صحيفة "الصباح"، بتغيير المقال لطباعة الصحيفة أو وقفها في هذا العدد واستجابة الصباح، لذلك لتكون ضحية أخرى للنظام الحالي والذي نصب نفسه رقيبًا فيما ينشر وما لا ينشر على صفحات الجرائد. وفي 14 أغسطس الماضى تم فرم العدد الأسبوعي من جريدة "صوت الأمة" وسحبها من مراكز البيع، بعد توزيعه بسبب ما احتواه من هجوم على الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووزير العدل في حكومة محلب، أحمد الزند، حيث صدرت التوجيهات - بحسب مصادر صحفية - بفرم كل نسخ العدد التي سحبها مباشرة. وحمل العدد في ترويسته بالصفحة الأولى عنوان "عصابة مبارك: طظ في مصر"، كما احتوى على عنوان في الصفحة الرئيسية يقول: "سقوط امبراطورية منى عبودة شريكة الزند"، مبينة أن الأجهزة الأمنية تستعد لسحب 500 فدان كانت الأخيرة قد استولت عليها وأدى فرم الأعداد للصحيفة إلى غضب الكابت الصحفي عبد الحليم قنديل، والذي أكد أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر مع الجريدة، وأن الأمر تكرّر عن طريق تأخير الطباعة أكثر من مرة، وعقّب بقوله «اعتقد أنه يحدث مع آخرين». وقال بشير العدل، مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة، إن أجهزة الدولة أعطت لنفسها الحق والتبرير في الرقابة على وسائل الإعلام، بناء على ضعف الجماعة الصحفية، لافتا إلى أن المسؤولية ذلك تتحملها جهتان، مؤسسو المؤسسة المهنية ونقابة الصحفيين، بعد أن غابت رقابتهم على الموضوعات الصحفية، قبل نشرها مما برر للجهات الأمنية التدخل في العمل الصحفي. وطالب نقابة الصحفيين بالإشراف على المطبوعات الصحفية والرقابة عليها، ومنعا للتدخل الحكومي وإعطائها المبرر للتدخل بحجة الأحداث الراهنة التي تمر بها مصر.