- ائتلاف الكهرباء: الموجات الحارة تقضى على التوربينات والغلايات.. والمحطات لا تحتمل 45 درجة مئوية - د.سامر مخيمر: محولات وغلايات ومولدات محطات الكهرباء غير مطابقة للمواصفات ومهددة بالانفجار - د.ماهر عزيز: وجود محطات الإنتاج فى العراء للشمس يعرض التوربينات لخطر الاحتراق - د.أنهار حجازي: درجات الحرارة والمستهلك تحالفوا ضد القدرة الإنتاجية للمحطات - د.عماد الدين عدلي: الكهرباء خدعت المواطنين بمسكنات وقتية ولم تحل مشكلة العجز
"الدنيا ضلمة كل يوم.. الكهرباء بتقطع مرة واتنين وساعات مبنشوفش ريحتها بالسبع ساعات".. تلك هى فى العادة الصراخات التى لم يعد تلتفت إليها حكومة محلب، ويبدو أن وزير الكهرباء حينما يطلق تصريحاته لم يستمع إلى الكثير من المصريين الذين يتضررون من انقطاع الكهرباء بشكل شبة يومي، فيؤكد أن القطاع لم يخفف أى أحمال على المواطنين، ورغم ذلك يطالبهم بالترشيد. "العلامة الخضراء".. هذا هو الشعار الذى تستغله وزارة الكهرباء بالتعاون مع مرصد الكهرباء وغرفة التحكم التى لم تعد تتحدث أو تصدر أى تقارير بنسبة الفارق بين الإنتاج والاستهلاك، فأضحت "العلامة الخضراء" ملصقا دائما على النشرة اليومية لحالة الشبكة القومية للكهرباء التى تؤكد استمرار تغذية المستهلك الآمن. الكارثة أن يخرج هذا الخداع فى تقارير رسمية موثقة، فالتقرير الشهرى الثالث والعشرين لشهر يوليو 2015 لمرصد الكهرباء التابع لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك أكد أن الكهرباء لم تنقطع فى أى يوم من أيام شهر أغسطس، وأن الشبكة تمكنت من تحقيق العلامة الخضراء بنسبة 100%، مبينة أن الكهرباء تمكنت من تحقيق فائض بلغ 3 آلاف ميجاوات، رغم تخطى الحمل 29 ألفا و200 ميجا. "التقرير الكاذب".. هكذا وصفه أعضاء الائتلافات الثلاثة للعاملين بالكهرباء ومهندسي الإنتاج وديوان عام الوزارة، أوضح أن أعلى حمل تم تسجيله خلال شهر يوليو بلغ 21 ألفا و960 ميجاوات يوم الاثنين 27 يوليو، وأن الفائض الذى تحقق بلغ حوالى 8 آلاف ميجاوات وهو ما يعادل حجم الأزمة التى هددت الشبكة فى نفس التوقيت من العام الماضي، متسائلين: هل تمكنت وزارة الكهرباء من إنتاج 16 ألف ميجاوات خلال عام واحد فقط. وطالبت ائتلافات قطاع الكهرباء مجلس الوزراء بسرعة محاسبة مسؤولى المرصد وغرفة التحكم والتحقق من تلك البيانات والنشرات التى تؤكد أن قطاع الكهرباء حقق العلامة الخضراء والاكتفاء الذاتى رغم معاناة الملايين من المصريين بسبب انقطاع الكهرباء، مشيرين إلى أن شكاوى المواطنين حول انقطاع الكهرباء تأتى إليهم من جنوب الصعيد حتى الإسكندرية ومن الإسماعيلية حتى السلوم، وأن الظلام بدأ يقترب من وسط القاهرة الكبرى. وأكدت ائتلافات الكهرباء ومحطات الإنتاج أن شهر أغسطس سيشهد الكثير من الانقطاع المتكرر للكهرباء بسبب ارتفاع درجات حرارة الموجات الحارة، والذى تخطى حاجز 45 درجة مئوية، مبينين أن توربينات وغلايات أغلب محطات الكهرباء لن تحتمل درجات الحرارة، والتى تقترب من درجات الغليان بفعل الضغط والحرارة، مطالبين فى الوقت نفسه بالإسعافات الفورية التى أكدت عليها وزارة الكهرباء لمواجهة حالة الطوارئ. "40% من مدن وقرى القاهرة الكبرى ضلمت".. عبارة ساخرة أطلقها خبراء الطاقة عقب حادث خروج محولات محطة غرب القاهرة أحد أكبر محطات إنتاج القاهرة الكبرى، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائى فى أغلب مدن وقرى القاهرة الكبرى، وأن أكبر المحافظات التى تضررت محافظة الجيزة وعلى الأخص فى العجوزة والهرم وفيصل والوراق والمريوطية وأرض اللواء والبساتين والمعادي، بالإضافة إلى تأثر الخط الثانى من مترو الأنفاق "المرج- حلوان" كأكثر المنشآت الحيوية تأثرا بالحادث. فى البداية أكد الدكتور سامر مخيمر رئيس ائتلاف العاملين بالكهرباء، أن حالة الظلام التى عاشتها مصر الأيام الماضية لم تتوقف فى جميع أنحاء الجمهورية، وأن عدم انقطاعها فى شهر رمضان كان بسبب تدخل الرئاسة لشراء 42 محطة صغيرة لحل المشكلة، ورغم ذلك كانت الانقطاعات مستمرة، ولكنها لم تظهر للجميع لأنهم اتبعوا نفس الأسلوب القديم الذى كان يحمل القرى والنجوع فى قبلى وبحرى بالظلام، على اعتبار أنه لا صوت يمكن أن ينادى بحقوقها، موضحا أن حالة الانقطاع المتكرر وصلت إلى القاهرة لأنها زادت بدرجة لا يمكن إخفاؤها. وقال مخيمر إن وزارة الكهرباء احترفت إطلاق المبررات مع كل أزمة تظهر فى القاهرةوالجيزة، فحينًا تدعى أن أحد كابلات المولدات احترقت، وحينًا تدعى أن ضغط الاحتفالات فى بورسعيد والإسماعيلية سبب فى قطع التيار، ولكن الحقيقة أن العجز لم يتوقف دقيقة واحدة، مبينًا أن الوزارة كانت قديما تتخذ من الغاز الطبيعى شماعة مثالية لكل أزمة، ولكن بعد أن وضعت الدولة إمكانياتها فى الغاز اتخذت من ارتفاع درجات الحرارة شماعة جديدة، رغم أن درجات الحرارة فى مصر أقل من درجات الحرارة فى دول الخليج وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ورغم ذلك لم تحدث انفجارات فى المولدات بسبب درجات الحرارة، لأنهم يستخدمون محولات ومولدات مطابقة للمواصفات، أما فى مصر فتصميم الوحدات غير مطابقة للمواصفات، وبالتالى من الطبيعى أن تنفجر المحولات بمجرد ارتفاع درجات الحرارة. وأضاف مخيمر أن الكارثة الحقيقية أن المسؤولين يلعبون فى التردد والجهد ليوفروا "شوية" كهرباء زيادة، فهم يحولون التيار من تيار متردد إلى تيار مستمر، بحيث يصل إلى البيوت بجهد من 160-180 وات، وبالتالى تحترق الأجهزة الكهربائية فى المنازل، وفى نفس الوقت تقليل الجهد فى المحولات يزيد من سخونتها، الأمر الذى قد يصل إلى احتراق المحول، مشيرا إلى أن الحل الوحيد لمشكلة الكهرباء فى مصر هو إعادة هيكلة وزارة الكهرباء بالكامل من أول الوزير وحتى أصغر موظف فى الوزارة باعتبارهم مخلفات نظام فاسد سقط فى 25 يناير، بالإضافة إلى ضرورة وضع قوانين تحاسب أى مسؤول يستلم محولات ومولدات ومحطات معيوبة المواصفات. وشدد مخيمر على ضرورة معاقبة كل مسؤول غير مسؤول عن كل وعوده وتصريحاته، متسائلاً عن المحطات التى وعد الوزير محمد شاكر بافتتاحها والتى لم تفتتح حتى الآن، وعن وعودة بتوفير 2000 ميجا وات من خلال محطتى بنها بقوة 650 ميجاوات، والعين السخنة بقوة 1300 ميجاوات، مبينا أن محطة بنها كان موعد افتتاحا فى يوليو 2014 ولكن افتتحت فى مايو 2015 بتأخير سنة، بينما محطة العين السخنة كان موعد افتتاحها فى 2011 ولكنها لم تفتتح حتى الآن، بالإضافة إلى عدم دخول سوى ثلاث وحدات من أصل 8 من محطة شمال الجيزة إلى الخدمة. وأشار مخيمر إلى محطة النوبارية التى استلمها وزير الكهرباء بمواصفات معيوبة من خلال شركة شاكر جروب، وكانت النتيجة أنها تعرضت بعض مهماتها للكسر فى ستة أسابيع ما أهدر ثلاثة ملايين دولار ثمن المحطة، قائلا إن نتيجة تحقيقات محطة التبين التى انفجرت فى أغسطس 2012 لم نعلم عنها معلومة، الأمر الذى يؤكد أن وزارة الكهرباء أهدرت 8.5 مليار فى محطتين، دون أن تعلن من المسؤول ومن سيحاسب على هذا الإهدار. على الجانب الآخر أكد الدكتور ماهر عزيز مستشار وزير الكهرباء وعضو مجلس الطاقة العالمى أن محطات الكهرباء تعانى الكثير من الضغط لوجودها فى العراء ومكشوفة لم يتم بناؤها داخل مبان كغطاء حاجب للشمس، مبينا أن درجات الحرارة تؤثر بشكل كبير على المحولات والمولدات والتوربينات وتؤدى إلى أعطال مفاجئة، وأن انقطاع الكهرباء لم يكن له أى علاقة بجودة الشبكة، أو تقصير فى الصيانة، ويحدث فى كل دول العالم وليس فى مصر فقط. الدكتورة أنهار حجازى رئيس وحدة ترشيد الطاقة بمجلس الوزراء أكدت أن عودة مسلسل انقطاع الكهرباء يرجع إلى سببين، أولها نوع المحطات الموجودة فى مصر كنوع من الدورة المركبة، وهى كفاءة التشغيل التى تقل كلما زادت درجة الحرارة، والثانى عودة المواطنين إلى الإسراف فى الاستهلاك نظرا لأن الكهرباء لم تنقطع لفترة طويلة، وبالتالى أصبحت الشبكة تواجه أعباء كبيرة فى الحمل، مبينة أن المواطن هنا ليس المواطن فى منزله فقط، وإنما المواطن فى المصنع والشارع وعامل تشغيل طلمبات الرى وكل مواطن فى منطقة عمله.
وأوضحت الدكتورة أنهار، أن زيادة الاستهلاك أمر طبيعى حتى إذا كان الاستهلاك مقننًا، فيوجد معدلات للزيادة الطبيعية فى الاستهلاك وهى فى تطارد مع الزيادة السكانية والنمو الاقتصادي، مبينة أن حملة الترشيد التى أطلقت منذ عامين جاءت بنتيجة مع المواطنين، الذين أصبحوا يهتمون بالترشيد سواء من منظور النفع الشخصى أو النفع الوطني، مطالبة أن تكون المشروعات الجديدة مواكبة لكفاءة الاستهلاك حتى يقل معدل الزيادة. وأشارت حجازى إلى الفرق بين حمل الذروة والاستهلاك، فالحمل هو قدرة الأجهزة المستخدمة والمحملة على الشبكة، أما الاستهلاك فهو عدد ساعات الاستخدام مضروب فى قيمة قدرة الأجهزة المحملة على الشبكة.
فى حين يرى الدكتور عماد الدين عدلى رئيس المنتدى المصرى للتنمية المستدامة، أن عدم انقطاع الكهرباء فى الفترة الماضية يحسب للقائمين على إنتاج وتوزيع الكهرباء، إلا أن هذا لم يغير من أن الأسباب التى تؤدى لانقطاع التيار الكهربى ما زالت موجودة، فكمية الاستهلاك ما زالت أعلى من كمية الإنتاج، بالإضافة إلى أن سلوك المصرى فى التعامل مع الطاقة يستنزف أكثر مما يقوم بالترشيد، مشيرا إلى أن المجهود الذى قام به المسؤولون عن إنتاج الكهرباء وتوزيعها لم تحل الأسباب الحقيقية وكانت عبارة عن مسكنات وقتية.
وأكد عدلى أن مصر يجب أن تسير فى ثلاثة خطوط متزامنة لحل مشكلة الكهرباء، من خلال تحسين كفاءات الطاقة الصيانة فى المحطات، وترشيد الطاقة فى كل المجالات، باستخدام اللمبات والأجهزة الموفرة للطاقة، والتنوع فى خليط الطاقة أو ما يسميه الخبراء ب"كوكتيل الطاقات"، ويجب ألا يكون التنوع فى الفحم والطاقة النووية فقط، وإنما يجب أن يشمل الطاقات المتجددة كالشمسية والرياح.
وأضاف عدلى أن الاقتصاد المصرى قد لا يتأثر تأثيرا واضحا بالانقطاعات الحالية، ولكنه بالتأكيد سيتأثر فى المستقبل إذا لم يكن هناك خطة واضحة بقوانين واضحة تساعد الطاقة الكهربائية فى النمو، لأن المستثمرين سيرفضون الاستثمار فى دولة لا يضمن أن يحصل فيها على كمية الكهرباء التى تحقق له الإنتاج، وأيضًا سيرفض أن يستثمر فى دولة تكفل له الكهرباء بثمن مرتفع بحيث يتحول منتجه إلى منتج غير اقتصادي. شاهدالصور