أكثر من ثلاثة عشر قرنا مرت على تلك الفاجعة التى راح فيها حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى سنين طويلة بالنسبة لأعمار البشر، وبدلا من أن نأخذ العبرة من تلك الفاجعة التى حلت بالأمة الإسلامية جمعاء نتيجة الدماء الزكية التى سالت فيها والأرواح الطاهرة التى أزهقت فى أراضى كربلاء تركنا التاريخ وماضيه. نعم تركنا التاريخ فلم نسع لتلاشى الانقسامات بين الأمة الإسلامية التى تهدر فيها آلاف بل ملايين الأرواح، فضلا عن الأموال التى تنفق، والمشاريع التى تعطل، والبيوت التى تهدم، والمصانع التى تخرب، والمزارع التى تبور، وهذا كله قد أصاب أمتنا يوم أن افترقت فى مهدها بعد استشهاد عثمان رضى الله عنه على أيدى الرعاع المنافقين حتى تطور الأمر إلى قيام معسكرين كبيرين للمسلمين يتقاتلان، أحدهما فى العراق، والآخر فى الشام . تركنا التاريخ ولم نذكّر أنفسنا بأن المشورة هى السبيل الأوحد لوحدة الأمة الإسلامية، حيث تصل بهم إلى اختيار حكومة ناضجة تجبر الجميع على السمع والطاعة لها. تركنا التاريخ ولم نتذكر أن هناك أعداء للأمة الإسلامية ومغررون طالما يدفعون بالإنسان إلى خوض الغمار دون أن يحسب لعاقبتها حسبة، كما فعل رعاع الشيعة مع الحسين رضى الله عنه، حيث أغروه بالخروج على يزيد بن معاوية، وأوهموه بأن الأمر ميسور ثم تخلوا عنه فى اللحظة الحاسمة ليلقى مصيره المؤلم.. فهؤلاء الذين كتبوا إليه يقولون: "إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ولسنا نحضر الجمعة مع الوالى فأقدم علينا" هم أنفسهم الذين انفضوا عن ابن عمه مسلم بن عقيل لما أرسله إليهم ليأخذ له منهم البيعة، وهؤلاء هم الذين خرجوا برفقة الحسين رضى لله عنه حتى إذا رءوا الجد قرب كربلاء انفضوا عنه وتركوه وأهل بيته لا يتجاوزن المائة أو أقل. تركنا التاريخ ولم نتذكر أن الغفلة عن المنحرفين يورد الأمة الإسلامية المهالك، فلو أن عثمان رضى الله عنه تشدد مع المنحرفين حتى استأصل شكوتهم ما حدث ما حدث، ولو أن عليًا -رضى الله عنه- وصل إلى اتفاق تام مع طلحة والزبير -رضى الله عنه- فى ضرورة التخلص من هؤلاء المنحرفين مهما كانت التكلفة لاستراح المسلمون من شرهم على مر التاريخ . ولو أن النعمان بن بشير -رضى الله عنه وكان أمير الكوفة قبيل وقعة كربلاء اشتد مع هؤلاء الذين كاتبوا الحسين سرا، واجتمعوا على مسلم بن عقيل ما حدث، ولكنه آثر السلامة، وكل ما فعله أنه لما علم بتحركاتهم جمع الناس فى المسجد وخطب فيهم. تركنا التاريخ ولم نتذكر أن سعى الحكام للجلوس مع المصلحين والاستماع إلى آرائهم خير من صدامهم، هذا الصدام الذى قد ينتج عنه ما لا يحمد عقباه بالنسبة للأمة والحاكم على السواء، فلو سعى يزيد إلى الالتقاء بالحسين -رضى الله عنه- الذى لم يكن ينوى سوى الصلاح للأمة وتفهم وجهة نظره لما حدث ما حدث, فهل نتذكر أو نتعظ ؟!