بدأنا على ما يبدو معركة تكسير العظام بين السلفيين والليبراليين..! فالشيخ سيد العفافى، أمين حزب النور فى بنى سويف، قال إن شياطين الأرض من العلمانيين والليبراليين لا يوجد فى جعبتهم إلا قلة الأدب والسفالة وهذه بضاعتهم التى يساعدهم عليها العديد من وسائل الإعلام الفاسدة والعميلة. الشيخ هشام النجار، المرشح على قائمة حزب النور ب"أبو كبير" بالشرقية، وجه حديثه إلى أنصاره قائلًا: ننتظركم فى صناديق الاقتراع، حتى تعبروا عن تطبيق شرع الله. وأضاف: علينا ردع العلمانيين كما ردعنا المغول والصليبيين.. وبينما كان السلفيون يشنون هجوم القوة فإن الليبراليين الذين يوصفون دائمًا بأنهم من العلمانيين لم يتركوا الساحة هادئة وتحركوا فى اتجاه إثارة الجماهير ضد بعض تصريحات القادة من السلفيين التى تناولت أمورًا كالسياحة وحركوا مظاهرة من عدة آلاف تدعو إلى إنقاذ السياحة ويؤكدون أنها خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه ويهددون بالوقوف فى وجه كل من يتعرض لهذا القطاع بأى قيود. وكان اللواء مختار الملا، عضو المجلس العسكرى، أكثر حزمًا ووضوحًا وهو يصرح لعدد من الصحفيين الأجانب بأن البرلمان المنتخب ربما لن يمثل إرادة الشعب المصرى. ووقف الشيخ يوسف القرضاوى، رئيس الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين، على الخط باتخاذ موقف أكثر عقلانية بالتأكيد فى حديثه لصحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية، على أنه قد نصح حزب النور السلفى بتبنى فكر جديد وقال: أخبرت إخواننا السلفيين بأنهم فى محض تجربتهم السياسية الأولى وأن عليهم تبنى الاعتدال فى تعاملهم مع الناس، وأنا آمل أن يفعلوا ذلك. والواقع أن ما ذكره الشيخ يوسف القرضاوى يمثل النصيحة المناسبة لحزب النور السلفى إذا ما أراد النجاح فى تجربته الأولى فى الظهور على المسرح السياسى، فلا مجال للمعارك والتصادم فى هذه المرحلة وإلا كرس الحزب ودعم حملة التخويف والترهيب التى تثار وتنتشر ضده. ولقد كان حزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمين) أكثر حرصًا وذكاءً فى التعامل مع الرأى العام عندما تحدث سعد الكتاتنى، أمين عام الحزب إلى الصحافة محاولًا تهدئة حالة القلق والخوف لدى قطاعات من المصريين قائلًا: إن الحزب لن يتحالف مع السلفيين ولن يفرض الحجاب، كما أنه لن يمنع تداول الخمور فى المنازل والفنادق باعتبارها أماكن خاصة. والكتاتنى كان أكثر تحديدًا فى قضية السياحة عندما قال إن السياحة مصدر رئيسى من مصادر الدخل القومى، ويعمل بها عدد ضخم من المصريين، وبالتالى يجب أن تكون على رأس أولويات أى حزب جاد. والكتاتنى فى هذه التصريحات كان توافقيًا وسياسيًا حريصًا على أن تبدأ التجربة الجديدة من دون صدامات أو معارك لن تفيد حزبه أو التجربة ولن تخدم أيضًا الدعوة الإسلامية وأفكار ومبادئ الحزب أو الجماعة. وهو النهج الذى يفتقر إليه أصحاب التيار السلفى الذين يعملون بنوايا مخلصة، ولكن بخطاب إعلامى يفتقر إلى الحرفية والوعى والتدرج فى إطلاق التصريحات والأحكام. وكما أن التيار السلفى يفتقر إلى الالتزام الحزبى السليم فى الإدلاء بالتصريحات الصادرة عن الحزب، حيث تصدر الكثير من الأقاويل المنسوبة لهذا التيار من أشخاص محسوبين عليه ولكنهم لا يملكون صفة التحدث أو مهارة وتوقيت الحديث فيسيئون بذلك لهذا التيار بدلًا من خدمة أهدافه وتوجهاته على عكس جماعة الإخوان المسلمين التى تحدد وترسم توزيع الأدوار بمهارة وكفاءة. ولهذا بدأ التيار السلفى المعارك مبكرًا ومنحوا الفرصة لليبراليين والعلمانيين ببدء حملة التخويف وتعبئة الرأى العام ضد التيار الإسلامى والسلفيين ككل، وهو أمر قد يؤثر على الجولات القادمة فى الانتخابات البرلمانية والتى حشدت فيها كل القوى الليبرالية جموعها وقوتها لمحاولة الحد من تقدم الأحزاب الدينية بأى وسيلة. إن الرأى العام الذى قام بالتصويت لصالح الأحزاب الدينية فى المرحلة الأولى من الانتخابات على قناعة بأنه يجب منحهم الفرصة فى مسئولية القيادة والحكم ليرى ما الذى يمكن أن يقوموا به بعد أن فشلت جميع التجارب الأيدلوجية الأخرى منذ ثورة يوليو 1952م ، فى بناء مصر الحديثة على معايير العدل والقانون وتكافؤ الفرص والتنمية الشاملة. والرأى العام لا يريد أن يفاجئ بتجربة جديدة فاشلة كما حدث فى أفغانستان وفى السودان، وإنما يبحث عن إصلاح يبدأ بالنهوض بالأوضاع الاقتصادية وتحسين مستوى الدخل. ولو شعر المواطن العادى ببوادر هذا التحسن فإن التجربة الإسلامية المصرية سوف تأخذ أبعادًا أخرى تكون أكثر فائدة للأمة الإسلامية ككل.