رغم أن حكومة نتنياهو تسعى بكل ما أوتيت من قوة لخلط الأوراق في المنطقة على إثر ثورات الربيع العربي , إلا أن التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد قطاع غزة يبدو أنه غير بعيد أيضا عن المزايدات التي بدأت تلوح في الأفق بين المرشحين لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة . ففي 9 ديسمبر ، فوجيء الجميع بتصريحات استفزازية للمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية والرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي نيوت جينجريتش زعم خلالها أن الفلسطينيين شعب "تم اختراعه" أو "ملفق"، ووصفهم بأنهم يسعون لتدمير إسرائيل. وواصل جينجريتش ، الذي صعد إلى قمة ترشيحات الجمهوريين , استفزازاته ، قائلا :" لم تكن توجد دولة تحمل اسم فلسطين، لقد كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية ، أعتقد أننا أمام شعب فلسطيني مخترع وملفق ، هم من العرب فى الواقع، وهم من الناحية التاريخية جزء من العرب، وأمامهم فرصة للذهاب إلى العديد من الأماكن، ولعدة دواع سياسية تحملنا هذه الحرب التي يتم شنها ضد إسرائيل منذ الأربعينيات، إنه أمر مأساوي". وذكرت قناة "الجزيرة" أن جينجريتش انتقد أيضا في مقابلة مع محطة تليفزيونية يهودية السياسة الأمريكية الرسمية التي قال إنها تحترم الفلسطينيين كشعب يستحق قيام دولة على أساس المفاوضات مع إسرائيل . ورغم أن جينجريتش كغيره من المرشحين لانتخابات الرئاسة الأمريكية يسعى لاجتذاب دعم اللوبي اليهودي بالتعهد بتعزيز الروابط الأمريكية مع إسرائيل في حال انتخابه ، إلا أن تطاوله على الفلسطينيين ومحاولة نكران وجودهم في أراضيهم منذ آلاف السنين هو أمر مفاجيء ومن شأنه أن يثير مخاوف واسعة حول وجود مخطط صهيوني أمريكي لقلب حقائق التاريخ التي تؤكد أن إسرائيل هي كيان مصطنع وغاصب للأرض الفلسطينية والعربية . ويبدو أن التصعيد الإسرائيلي ضد غزة والذي جاء في ذروة التزام الفصائل الفلسطينية بالتهدئة يدعم صحة ما سبق ويؤكد أن هناك مؤامرة ما تحاك ضد الفلسطينيين والعرب في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية . وكان ناشطان فلسطينيان من كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس وشهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح استشهدا الخميس الموافق 8 ديسمبر جراء غارة إسرائيلية استهدفتهما داخل سيارة وسط غزة ، كما استشهد مسن فلسطيني وأصيب 12 طفلا وامرأة بعد أن شن الطيران الحربي الإسرائيلي الجمعة 9 ديسمبر ثلاث غارات جوية على أهداف متفرقة في قطاع غزة. وعلى الفور ، أدانت جامعة الدول العربية والسلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الفلسطينية المقالة في قطاع غزة التصعيد العسكري الإسرائيلي في القطاع وأكدت أنه يستهدف ضرب التهدئة وإفشال جهود المصالحة الفلسطينية . وبالنظر إلى أن الكيان الصهيوني يعول على انشغال العالم بقضايا المنطقة والتطورات الإقليمية والعربية الجارية لتصعيد العدوان ضد الفلسطينيين في عام انتخابات الرئاسة الأمريكية ، فقد سارعت مصر وكعادتها لإجهاض المخططات الإسرائيلية . فقد أكد السفير المصري لدى السلطة الفلسطينية ياسر عثمان أن مصر أجرت اتصالات مع أطراف دولية عديدة ومع إسرائيل لإعادة التهدئة واحتواء الوضع الميداني المتوتر في قطاع غزة ، كما حملت تل أبيب المسئولية عن التصعيد الأخير في القطاع ، وطالبتها بالوقف الفوري لكافة الاعتداءات لتمكين جهودها من استعادة التهدئة. وأشار عثمان إلى أن العدوان الأخير لم يكن رد فعل ، بل انتهاكا للتهدئة التي تلتزم بها الفصائل الفلسطينية ، موضحا أن مصر لم تكتف بالحديث إلى الجانب الإسرائيلي وتحميله مسئولية العدوان، وإنما أجرت أيضا سلسلة اتصالات دولية لحث المجتمع الدولي على دفع إسرائيل لاحترام التهدئة غير المباشرة مع فصائل المقاومة في غزة . والخلاصة أنه رغم انشغال مصر الثورة بتحديات الداخل , إلا أنها واعية جدا لأبعاد المخططات الإسرائيلية التي تستهدف خلط الأوراق في المنطقة في عام الانتخابات الأمريكية عبر التصعيد ضد قطاع غزة ، الذي يعتبر الحلقة الأضعف من وجهة نظر نتنياهو .