رغم حزني الشديد وصدمتني مما قرأته في الحوار ، إلا أني لم أملك نفسي من الضحك وأنا أقرأ قول المستشار هشام جنينة في حواره مع الزميلة "المصري اليوم" أنهم يتهموني بأني عضو في الجماعة السلفية الجهادية ؟! ، وقفز في ذهني صورة مركبة للمستشار الجليل وهو بالزي الأفغاني ويحمل كلاشينكوف ولحيته تلامس صدره طولا وهو يلوح للمجاهدين بعلامة النصر ، ولكن مع الأسف هذا الكاريكاتير هو نسخة واقعية لقطاع كبير من الإعلام المصري الآن ، الإعلام الذي يظهر نفسه على أنه موالي للرئيس عبد الفتاح السيسي ، وهو أكثر من يضر به ويؤذيه في الحقيقة ، هذه العقلية الكاريكاتيرية هي التي تطفو على سطح الإعلام المصري الآن وتحاول أن تشكل الرأي العام ، هذه العقول المزرية والمثيرة للشفقة هي التي توزع اتهاماتها في كل اتجاه لتشويه أو تدمير أي شخصية مصرية وطنية ، تحسن الإخلاص للوطن ولا تحسن التطبيل والتهريج والنفاق السياسي الرخيص . في الحوار فاجأنا القاضي الجليل المستشار جنينة ، بخلفيات الحملة ضده فقال : (الاتهامات ليست انتمائى للسلفية الجهادية فقط، ولكن سبقها اتهام بالأخونة والانضمام لمجموعة قضاة من أجل مصر واتهام بالتحريض على بيان رابعة وأنى أمتلك ملهى ليليًا تديره زوجتى، وأخيراً عندما فشلت هذه المحاولات فى تشويهى أنا وأسرتى فابتدعوا اتهاماً جديدًا بانتمائى أنا وعائلة زوجتى لألوية صلاح الدين فى فلسطين والتخابر مع حماس وأن والدة زوجتى التى تبلغ من العمر 80 عاماً على علاقة بإسرائيل، وكلام آخر عن وجود صواريخ جراد فى مزرعة تملكها زوجتى وأسرتها بالشرقية) . ويضيف جنينة مندهشا : (لا أفهم كيف يعتبر البعض الزواج من فلسطينية جريمة، مع العلم أن زوجتى من أب فلسطينى وأم مصرية وجميعهم عاشوا على تراب هذا الوطن وحصلت على الجنسية المصرية، وأقارب زوجتى لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بحركة حماس وأغلبهم فى مراكز مهمة بالسلطة الفلسطينية، وابن عمها الطيار الخاص للرئيس الفلسطينى أبو مازن، وآخر كان سفيراً سابقاً بليبيا، وبعضهم التحق بسلك القضاء فى مصر) وفي صدمة مؤسفة للغاية يقول رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات : (لدى معلومات أن البعض يحاول تلفيق اتهام لى بالتخابر مع حماس، هناك أصابع خفية تسعى إلى تدبير مكيدة لى بعد انتهاء هذه الحملة الإعلامية الشرسة، يتم الإعداد لهذه القضية الملفقة الآن، هذه الحملة يمولها رجال أعمال على علاقة بوزير مسؤول حالياً يستغل منصبه فى الحصول على بيانات خاصة بأسرتى من خلال علاقته ببعض القيادات الأمنية واستخدام بعض الإعلاميين لحشد الرأى العام ضدى، وذلك كله بقصد ترهيبى عن ملاحقة وكشف قضايا فساد طالت بعضهم) . لاحظ أن هذا الذي يرتبون لتلفيق تهمة التخابر له هو رئيس جهاز سيادي ، محصن بالقانون وبالدستور ، وقامة قضائية رفيعة ولها تاريخ وطني مشرف ، فكيف يفعلون مع أي مواطن عادي ليس له كل هذه الحصانة يختلف معهم أو يضعه حظه العاثر في طريقهم ، كيف يستبيحونه ، وكيف سيلفقون له التهم من الوزن الثقيل ، ويدمرون حياته وحياة أسرته بالكامل ، ولاحظ أن رئيس الجهاز المركزي يتهم وزيرا في السلطة حاليا بأنه وراء تلك المؤامرة والتحريض ضده ، وهذا لو كان في أي دولة ، بمجرد أنها دولة ، لقامت الدنيا ولم تقعد ، ولطلب رئيس الدولة بنفسه تحقيقا على أعلى المستويات في ذلك ، لكن أنت في مصر الآن ، مع الأسف . هشام جنينه ، وهو رئيس الجهاز الرقابي المتصل برئيس الجمهورية مباشرة ، يقول في الحوار بالنص : (إننى لم أستعمل سلطة وظيفتى لبيع الأراضى المملوكة للدولة والمخصصة للمنفعة العامة لأى من أقارب زوجتى كما فعل هذا الوزير، وأطالب الأجهزة التى أمدته بالمعلومات عن حياة أسرتى الخاصة أن تتحرى عن ذمته المالية وتطبيق الكسب غير المشروع حتى يترسخ لجموع الشعب أنه لا أحد فوق القانون ولا يحتمى أحد بمنصبه) . إنه يعلن بالفم الملآن أن الوزير المشار إليه ارتكب ما يستوجب خضوعه لمساءلة جهاز الكسب غير المشروع ، وأنه باع أراضي الدولة المخصصة للمنفعة العامة لأقارب زوجته ، هذا الكلام ليس على لسان صحفي مثلي ، أو رجل سياسة يتراشق بالكلام ، وإنما هو على لسان رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، الجهاز الرقابي الأعلى للدولة ، الجهاز السيادي ، يا سيادة . وعندما حدثه محاوروه عن أن خصومه يقولون أن الذي اختاره لمنصبه هو الرئيس الأسبق محمد مرسي ، صدمهم بقوله : (مرسى لم يخترنى وحدى بل اختار الرئيس عبدالفتاح السيسى وزيراً للدفاع، واختار اللواء محمد إبراهيم، وزيراً للداخلية، واختار اللواء خالد ثروت، مديراً للأمن الوطنى، واختار اللواء محمد عمر هيبة، رئيساً لهيئة الرقابة الإدارية، ومرسى اختار ناس كتير فى مواقع هامة ومؤثرة، لكن أعتقد أن من يهاجموننى يحاولون إلهاء المواطنين وصرف انتباههم عن قضايا الفساد التى يفجرها الجهاز المركزى للمحاسبات، وهؤلاء يحاولون استثمار كراهية الناس للإخوان فى التخلص من أى شخص يريدون التخلص منه بدعوى انتمائه للإخوان). وختم القاضي الجليل وأحد الرموز التاريخية لتيار الاستقلال في القضاء المصري الذي تصدى لمبارك في عز جبروته ، ختم بكشف جانب آخر ، يلخص لنا أبعاد وخلفيات الحملة الإعلامية والأمنية تجاه رموز ثورة يناير ، فيقرر بضمير مستريح قوله : (هناك محاولة من بعض الأجنحة التى كانت لها مصالح مع نظام مبارك لتصفية كافة رموز ثورة 25 يناير، وما يحدث على الساحة الآن من قضايا يتم إعدادها هدفها التخلص من كل من له رأى أو موقف أدى إلى تلك الثورة) . المستشار هشام جنينه بشر ، تأخذ من كلامه وتترك ، وتتفق وتختلف ، إلا أن ما لا يمكن الاختلاف حوله أنه يمتلك صلابة في الحق ندر العثور عليها الآن في الوقت الذي ينحني فيه الكثيرون حتى تمر الموجة العاتية ، وقد كان بإمكانه أن يؤثر السلامة ، ولا يدخل "عش الدبابير" ولا يكشف ملفات الفساد في أجهزة حساسة ولها أنياب حادة ، هو واحد من البقية "القليلة" من الشرفاء في هذا الوطن الذين يبقون الأمل في النفوس باقيا بغد أفضل وأكثر شفافية وعدلا ، هو واحد من تلك القلة التي تسبح عكس تيار الفساد والهرتلة ، .. ربنا يحميه .