راح العلمانيون يلطمون الخدود ويشقون الجيوب ويفعلون فعل الجاهليَّة.. وهم يشاهدون هذا الإقبال الجماهيرى الهائل على التيار الإسلامى فى الانتخابات بمرحلتها الأولى، والذى يؤكّد أن جماهير المصريين يسعون لاستعادة هويتهم الإسلاميَّة.. أصبح العلمانيون يبكون دمًا على رهانهم الخاسر.. فقد راهنوا على الفضائيات ولم يكن لهم وجود على أرض الواقع وأوهموا الرأى العام بأنهم يشكلون رأى المجتمع ، فلما جاءت الانتخابات انصرف الناس من حولهم إلى الإسلاميين , لقد بات العلمانيون أيتامًا.. بعد أن أصبحت فزاعة الإسلاميين وتخويف الغرب من الإخوان والجماعات لا تطرب الآذان.. وعضَّ العلمانيون على أناملهم غيظًا بعد أن علموا أن الجماهير تهوى الإسلام وتحن لشريعة الله.. وقد ظلّوا لسنوات ينفثون سمومهم ويروجون لبضاعتهم الفاسدة.. فلم يثمرْ ذلك شيئًا وكانوا كمن يحرث فى الماء. وكانت الطامة الكبرى أن الأحزاب العلمانيَّة تآكلت بعد الثورة، وأكبر مثال على ذلك حزب الوفد الذى جاء فى ذيل القائمة الانتخابيَّة، بينما تصدر الإسلاميون المشهد الانتخابى.. وأثبتت تلك الأحزاب فشلها الذريع بعد أن تحولت إلى ديكور لنظام مبارك الاستبدادى، وافتقدت للديمقراطيَّة الحقيقيَّة، , فضلاً عن أنها لم تتناغم مع الثورة ولم تؤيدها فى البداية.. لكن من المستغرب هو فشل أحزاب شباب الثورة فى تحقيق نجاحات فى الانتخابات سوى مقاعد معدودة، ربما يرجع ذلك لفقدان الخبرة وضعف الاتصال بالجماهير والاحتكاك بهم على الأرض، وأيضًا لخطاب بعضهم الزاعق، والذى كان يتطلب نوعًا من الحكمة والروية. لكن من المهم القول أن النجاح الأول الذى حققه الإسلاميون فى الانتخابات لم يكن وليد اليوم، بل كان نتيجة تضحيات ضخمة قدَّمها التيار الإسلامى عبر تاريخه النضالى منذ أكثر من خمسين عامًا وقافلة الشهداء لم تتوقف من حسن البنا إلى سيد قطب إلى كارم الأناضولى وصالح سرية إلى خالد الإسلامبولى ورفاقه وعلاء محيى الدين وسلسلة طويلة من المجاهدين فى سبيل الله، وانتهاءً بسيد بلال بالإسكندرية، والذى مات ضحية قمع جهاز مباحث أمن الدولة الهالك. كما نعتقد أن تلك النجاحات التى حققها التيار الإسلامى فى تلك الانتخابات تعود إلى مسيرة من الشباب من شهداء 25 يناير، والذى لا يزال يقدم حياته وعيونه حتى يعود العدل وتترسخ مبادئ الحرية، ويتمّ بناء مصر الجديدة رغم كل الكارهين فى الداخل والخارج. لا شكّ أن هناك تحديات كثيرة تواجه مصر بعد سقوط نظام مبارك، أول هذه التحديات هو أزمة هوية الدولة، والتى استطاعت الجماهير أن تحسمها فى إقبالها التاريخى على صناديق الاقتراع، وهو ما يثبت أن الشعب المصرى يتوق لاستعادة هويته الإسلاميَّة، والانتصار لشرع الله، وللقيم الإسلاميَّة بشكلٍ عام، إيمانًا منه بأن المشروع الإسلامى هو السبيل الوحيد للخروج بالأمَّة من النفق المظلم، الذى عانت منه لثلاثة عقود كاملة، جرَّاء سياسات نظام مبارك المخلوع. ونعتقد أن تلك الهويَّة التى تم العبث بها تارة تحت ستار القوميَّة العربيَّة وتارة أخرى من خلال استدعاء الإرث الفرعونى بشكلٍ مغلوط وإلباسه لحاضر مصر، مع تغييب للهويَّة الإسلاميَّة وللنظام الإسلامى بكل أبعاده إلا من رتوش تستهلك عواطف الجماهير. فحسم هوية مصر من خلال تلك الانتخابات أمر مهم ليس بمن حاز على الأغلبيَّة فى البرلمان القادم أو من فاز بكرسى الرئاسة لكن الأهم هو أن نحدِّد هويَّة مصر لتكون رائدة النهضة الإسلاميَّة والموحّدة لبلاد المسلمين، تلك التى ترعى أهلها بأحكام الإسلام وتبنى علاقاتها مع شعوب المنطقة ودول العالم على أساس الشرع لا على أساس مواثيق وقرارات الدول الاستعماريَّة.. مصر الآن تستعيد دورها وهويّتها لتقود الأمَّة من جديد لريادة العالم الإسلامى وهى تملك بفضل الله مقومات تلك الريادة. [email protected]