بصوت رصين مميز تملؤه الثقة، ولغة عربية فصيحة، مختارة كلماتها برزانة وعناية، أصدر "الضباط الأحرار" هذا البيان العاجل عبر الإذاعة المصرية في صباح يوم 23 يوليو 1952. "من اللواء أركان الحرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة إلى الشعب المصري.. اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم.. وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين.. وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها.. وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب". كان هذا بيان الجيش الذي قام بإذاعته وقتها البكباشي محمد أنور السادات، معلنًا عزل الجيش الملك فاروق من منصبه وإرغامه على التنازل عن العرش لولده الأمير أحمد فؤاد، ونظرًا لصغر سنه، حيث كان عمره حينها ستة أشهر، فقد قرر مجلس قيادة الثورة بقيادة اللواء محمد نجيب إنهاء الحكم الملكي وإقرار الجمهورية. وفور انتهاء بيان الجيش، خرج المصريون في الشوارع محتفلين ومهللين بقيادات الجيش، ملتفين بقيادات الثورة الجديدة، التي أزاحت بنظام أدى إلى سقوط فلسطين في يد الصهاينة. و في تمام الساعة السادسة وعشرين دقيقة مساء يوم 26 يوليو 1952 غادر الملك فاروق البلاد على ظهر يخت "المحروسة" متوجهًا إلى إيطاليا، وذلك تنفيذًا لطلب الجيش بمغادرة البلاد. وكان في وداعه اللواء محمد نجيب وأعضاء حركة الضباط الأحرار، وأدى الضباط التحية العسكرية، وضربت المدفعية إحدى وعشرين طلقة لتحية الملك فاروق عند وداعه. وقبيل ثورة 23 يوليو كانت مصر تعيش حالة من التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار الحكومي، نتيجة لكثرة الخلافات الحكومية مع الملك والأحزاب بقيادة الوفد، مما أثر على عدم نجاح أي حكومة واستقرارها. وبعد بيان الجيش، اندهش القيادات حينها من صدى التفاعل الجماهيري، والتفافها مع قيادات الجيش، حتى قررت على وقع هذا التفاعل تعديل المسار وإضفاء عليه الطابع الثوري، بعد أن كان الهدف متمثلاً في عزل الملك فاروق. وفي تلك الأثناء، قررت القيادات تشكيل مجلس قيادة الثورة، وإنهاء الملكية وإعلان الجمهورية، وذلك في 18 يونيو 1953، بقيادة أول رئيس للجمهورية اللواء محمد نجيب، ثم ما لبث حتى عزله مجلس قيادة الثورة بعد خلافات وتحديد مقر إقامته، وتعيين جمال عبد الناصر، والذي ظل محتفظا بصورة القائد الأوحد ل 23 يوليو بلا منافس ومنازع على مدار عقود على صفحات كتب التاريخ، الذي تم إعداده من قبل أنصار عبدالناصر. ومع مرور سنوات على انطلاق ثورة 23 يوليو تصاعدت الخلافات بين أعضاء ورفقاء مجلس قيادة الثورة حتى بلغت ذروتها في الخلاف التاريخي الذي وقع بين رفيقي العمر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ووزير دفاعه المشير عبدالحكيم عامر على إثر نكسة 1967، والتي خلفت آلاف الشهداء واحتلال شبه جزيرة سيناء. وفي 14 سبتمبر 1967 أُعلن انتحار عبدالحكيم عامر، وذلك وفق الرواية الرسمية، إلا أن زوجته "برلنتي عبد الحميد" نفت انتحار زوجها واتهمت عبدالناصر بتدبير مقتله بعد تصاعد الخلافات. وبعد ثلاث سنوات وتحديدا في 28 سبتمبر 1970 أفضى الرئيس عبدالناصر إلى ربه في ظل أوضاع صعبة واقتصاد منهار وحرب مشتعلة على الضفة تاركًا التاريخ ليحكم.