بماذا نفسر قرار المجلس العسكرى بتكليف الدكتور كمال الجنزورى البالغ من العمر78 سنة بتشكيل ما سمى بحكومة الإنقاذ الوطنى فى مصر؟ ولا خلاف على نظافة يد الرجل، لكن ألم يكن هو أحد أبرز رموز النظام السابق؟ صحيح أنه اختلف مع مبارك لكن ألا يحمل بالضرورة نفس العقيدة السياسية التى كان يحملها مبارك؟ وهل تتناسب هذه العقيدة السياسية مع ثورة 25يناير؟ ألا توجد كفاءات فى مصر تحت سن الستين تكون قادرة على تبنى الفكر الثورى الجديد وتحقيق الطموحات السياسية التى يتطلع إليها المصريون؟! ثم ألا يكرس هذا القرار قناعة الشعب المصرى بأنه وقع ضحية لخديعة كبرى من المجلس العسكرى ورجال النظام السابق، حيث تم إيهامه بأنه نجح فى إسقاط نظام مبارك الفاسد، فى حين أن الحقيقة المرة تتضح كل يوم مؤكدة أن كل ما حدث هو إسقاط رأس النظام فقط ومن حوله من زمرة الفاسدين المفسدين الذين تبنوا مشروع التوريث، لكن عقيدة المجلس العسكرى السياسية التى تحكم مصر منذ ستين سنة لا تزال كما هى!! وفيما عدا الاتفاق بين المجلس العسكرى والشعب المصرى على رفض مشروع التوريث والحد من فساد السلطة وتوحشها الاقتصادى لا يوجد أى اتفاق حقيقى بين الطرفين، وكل قرارات وتصرفات المجلس العسكرى منذ نجاح المرحلة الأولى من الثورة تؤكد أنه لا يؤمن مطلقًا بالديمقراطية الكاملة كمنهج وعقيدة سياسية حاكمة فى مصر، ومن ثم لم يسعَ بجدية لتفكيك بنية نظام مبارك السياسية والاقتصادية، والقضاء على شبكات المصالح المعقدة التى أنشأها، والتى أدت إلى استشراء الفساد وسريانه فى كافة أوصال المجتمع المصرى، بل حافظ على كل شىء كما هو اللهم سوى استبدال بعض الوجوه بوجوه أخرى لكنها تحمل نفس الفكر!! وإن كان هذا التحليل خاطئا فليفسر لنا أحد كيف لا زالت وزارة الداخلية تتعامل مع الأحداث بنفس العقيدة؟ وكيف يتم اختيار المحافظين بنفس الأسلوب؟ وكيف يبقى رؤساء معظم الجامعات كما هم؟ وكيف يبقى أداء كافة المسئولين فى كل الدوائر الحكومية بنفس الطريقة التى كانت فى مصر قبل 25 يناير؟ قناعة المصريين الآن أن المجلس العسكرى ووزارة الداخلية لا يرغبان مطلقا فى سيادة العدالة والمساواة بين المواطنين؛ لأن ذلك يعنى تخلى القيادات العسكرية والأمنية عن الامتيازات التى يتمتعون بها، ورجال الشرطة لن يوافقوا أبدا على مبدأ سيادة القانون؛ لأن ذلك سيحرمهم من البطش بالشعب، ويفرض عليهم الالتزام الكامل بالأداء المهنى الحازم دون تجاوزات واعتداءات على حريات المواطنين، وهم لا يريدون ذلك؛ إذ يرون أنفسهم من طبقة أرقى من الجماهير! وإضافة إلى نظرة المجلس العسكرى الإستراتيجية وتقييمه للأوضاع السياسية فى المنطقة والعالم، هناك قطاعات كبيرة من العسكريين ورجال الشرطة واليساريين والعلمانيين والليبراليين يخشون بشدة أن توصلنا الديمقراطية الحقيقية لحكم الإسلاميين، ويفضلون على ذلك الحكم العسكرى الصريح إن اقتضى الأمر! * كاتب مصرى. [email protected]