من آثار الربيع العربى سقوط عدد من الأنظمة العربية ليفسح المجال للشعوب العربية أن تختار من يحكمها، والمتابع للانتخابات التى جرت مؤخراً فى الدول العربية يجد أمامه ظاهرة بارزة فى جميع تلك الانتخابات ألا وهى فوز التيار الإسلامى وبروزه بصورة لافتة ، ففى تونس التى حُكمت من قبل التيار العلمانى الذى غلا وتطرّف فى علمانيته ومحاربته للإسلام كانت المفاجأة فوز حزب النهضة الإسلامى، ثم جاءت المغرب ففاز حزب العدالة والتنمية، وفى أثناء كتابة هذا المقال ترد الأخبار بمؤشرات قوية بفوز الإخوان والسلفيين فى انتخابات مصر ، وهذا الفوز يؤهل الإسلاميين بقيادة الحكومات ، والحقيقة التى ينبغى أن يتذكرها الإسلاميون بأن هذا الفوز فيه تحد عظيم ينبغى أن يُحسب له ألف حساب. إن تجربة حكم وقيادة المجتمعات وممارسة السياسة لهى من أصعب الأمور وأكبر التحديات؛ صحيح إننا فرحنا بهذه النتائج ، ولكن لا ينبغى أن تأخذنا الفرحة ويلهينا الانتصار عن استشعار المسئولية وإعداد العدة والتأهب للأمر. هناك الكثيرون الذين يراهنون على فشل التجربة ، وهناك قوى معروفة ستضع العراقيل من أجل أن تفشل التجربة. وهناك المتخوفون من التجربة والمشفقون منها، ومن المؤشرات على هذا التخوف قيام مركز دراسات الشرق الأوسط بعقد ندوة متخصصة بعنوان" الإسلاميون والحكم" وتأتى الندوة التى يشارك فيها مائة وعشرون خبيرا وأكاديميا مختصا، من تسعة بلدان عربية، فى ضوء تزايد الحديث عن احتمال صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم فى دول الإصلاح والثورات فى المنطقة العربية؛ إذ بدت الحاجة ملحة لتقديم رؤية واقعية وحقيقية عن نظرة الإسلاميين إلى الحكم والدولة العربية الحديثة . وهناك الكثير من الأسئلة التى تطرح وبخلفيات عدة وبأجواء من التشكيك والاتهامية بقدرة الإسلاميين على تمكين آليات الديمقراطية، وإنتاج الحكم الرشيد أو رغبتهم فى إنجازها، هذه الإثارة المستمرة وضعت الحركات الإسلامية فى مربع المحاكمة باعتبارها متهمة ومدانة أحياناً ووظفت تلك الاتهامات لمحاصرتها ومنعها من تقديم تجربتها ونموذجها فى الحكم. والتاريخ الحديث يذكرنا بفشل تجارب إسلامية فى الحكم كما حدث فى السودان وفى أفغانستان... وكلنا حريص على أن ينجح الإسلاميون فى تجربة الحكم الجديدة ، ومن أجل ذلك نوجه بعض النصائح: • إرسال رسائل تطمينية للشعب وللقوى السياسية المتخوفة من الإسلام ، بأن الإسلاميين ليسوا بالإقصائيين وأنهم يحرصون على إشراك الجميع فيما يخدم البلاد والعباد، وكذلك رسائل تطمينية للدول العربية بأن الحكم الجديد يحرص على الأمن العربى والنهوض بالمجتمعات العربية ،ورسائل تطمينية للقوى الدولية بالحرص على الأمن والاستقرار العالمى. • الاهتمام بالأولويات ومن أبرزها تحسين الوضع الاقتصادى لتلك المجتمعات، خاصة أن الشعوب تعانى من أزمات اقتصادية خانقة. • عدم التعجل فى تطبيق النظام الجنائى (الحدود والقصاص) والأخذ بمنهج التدرج والحكمة فى التغيير، ذلك أن الشعوب العربية مرّ عليها حقبُ من التغريب والتجهيل بالإسلام ، ونذكر هنا ما قاله عمر بن عبد العزيز لابنه حينما طلب منه التغيير السريع للبدع والمظالم التى أحدثها من قبله ، قال: " يا بنى ! إن قومك قد شدُّوا هذا الأمر عقدة عقدة ، وعروة عروة ، ومتى ما أريدُ مكابرتهم على انتزاع ما فى أيديهم لم آمن أن يفتقوا على فتقاً تكثر فيه الدماء ، واللهِ لَزوالُ الدنيا أهون على من أن يراق فى سببى محجمة من دم ، أَوَ ما ترضى أن لا يأتى على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيى فيه سنة ، حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الحاكمين ؟ ". • التعمق فى دراسة وفهم السياسة الشرعية ، فأنا أرى أن الصحوة قد قصرت فى فهم واستيعاب السياسة الشرعية وقواعدها ، وهذا ما تسبّب فى كثير من الأخطاء فى مجال الممارسة السياسية للإسلاميين. وختاماً أرجو أن يوفق الله الإسلاميين بهذه المسئولية (مسئولية الحكم والسياسة) وأن ينجحوا فى هذا التحدى الجديد.