قد يرانى البعض مسرفا فى القول ، ومفرطا فى الحديث ، وأكثر تشاؤما ، إذا قلت : إن المدارس فى بلادنا ليس لها أى شبيه أو قريب من الشبيه فى العالم أجمع فى الإهمال والبعد عن الجادة والانحراف عن أداء رسالتها العلمية والتربوية والمهنية ، وقد تنهال على الردود من الكثيرين مستشهدين على عدم صحة قولى بالتفوق العلمى الذى يحرزه بعض أبنائنا الطلبة والإبداع الذى نلحظه من بعض الشباب المصريين الذين وصلوا لمصاف العلماء فى شتى التخصصات وهم فى مقتبل العمر .. وأرد على هؤلاء الذين سيتسرعون فى نقدى بقولى : إن ظاهرة نبوغ التلاميذ والطلاب المصريين لا يمارى فيها أحد ، ولكن الفضل فى ذلك لا يرجع إلى مدارسنا ، فليس لها أى دور فى ذلك ، فهى لم تُربِ ولم تعلم ولم ترشد ولم توجه ، بل هى مضيعة للوقت كما يقول الطلاب المتفوقون الذين يحرصون إما على تغيير مسارهم من منتظمين إلى منتسبين ( منازل ) وإما بالرضا بأن يفصلوا من الدراسة ثم يدفعون ضريبة العودة قبيل الاختبارات تحت مسمى إعادة القيد ، وإنما الفضل يرجع لجهد الطلبة والطالبات غير المحدود مع الاستعانة بما يمكن أن نسميه مجازا بوزارة التعليم المناظرة .. وأقصد بها هنا قاعات الدروس الخصوصية التى صارت البديل الرسمى للمدارس المصرية ، لا أقول فى مجال التدريس فقط ، بل فى مجال الكتب والمذكرات التى يدرسها الطلاب ، خاصة فى المرحلة الثانوية ، فهم الآن لا يستفيدون من المدارس لا من مدرسيها أو موجهيها ومشرفيها ، ولا من الكتب الدراسية أما ما يعتمد عليه الطلاب فى مذاكرتهم فهى إما الملخصات التى تسمى بالكتب الخارجية ، والتى صارت تنافس الكتب الجامعية فى أسعارها هذا العام ، وإما المذكرات التى يكتبها كل مدرس ثم يقوم بتخصيص بيعها للطلبة الذين يتعاطون الدروس الخصوصية عنده .. وإذا كان وزير التربية التعليم قد أعلن فى أحاديثه أكثر من مرة بأنه لا يستطيع التخلص من ظاهرة الدروس الخصوصية فإنى أقترح عليه وعلى حكومتنا المبجلة أن تعلن تجميد عمل وزارة التربية والتعليم إلى أجل غير مسمى وحتى إشعار آخر ، ويكفيها أن تبقى لنا جزءا من نشاطها الخاص بتنظيم الاختبارات آخر العام والإشراف عليها ، وأن توفر الحكومة المليارات التى ترصد للعملية التعليمة كل عام ، أو أن تقوم بتوزيعها على الطلاب فى صورة بدل دروس خصوصية ، ما دام عندنا البديل المتمثل فى وزارة التعليم المناظرة ؛ لأن مصر وباختصار فى ظل تلك الظروف لا تستطيع أن تتحمل الميزانيتين معا ، ميزانية التربية و التعليم التى تصرف دون جدوى حقيقية ، وميزانية الدروس الخصوصية التى تلتهم كما قلنا مرارا نصف أو ثلت مرتبات محدودى الدخل . فاختاروا لأنفسكم معشر الوزراء وقولوا لنا : أى الميزانيتين ستبقون عليها وتريحونا من الأخرى ؟!!..