الكثير من الصائمين – ومن كل أسف - لا يعبأون بوجبة السحور، ولا بتأخيرها، ومنهم من يتركونها البتة، أو يتناولون الطعام في منتصف الليل، أو قبل أن يخلدوا إلى النوم، إما لخوفهم من عدم القيام، أو لرغبتهم في النوم مدة أطول، أو لعدم وعيهم بأهمية السحور وبركاته.. وهذا خلل ينبغي للصائم تلافيه؛ لما فيه من مخالفة السنة، وحرمان بركات السحور الكثيرة.. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا؛ فإن في السحور بركة"، متفق عليه. ففي هذا الحديث أمرٌ بالتسحر؛ وهو الأكل والشرب وقت السحر استعدادًا للصيام،، لما في ذلك من حلول البركة على الصائمين.. والبركة: هي نزول الخير الإلهي في الشيء، وثبوته فيه.. والبركة تعني: الزيادة في الخير والأجر وكل ما يحتاجه العبد من منافع.. والبركة تكون من الله، ولا تُنال إلى بطاعته.. ومن أبرز بركات السحور التي تتنزل على معشر الصائمين ما يلي: أولًا: التقوية على الطاعة، والإعانة على العبادة، والزيادة في النشاط والعمل؛ لأن الجائع الظامئ يعتريه الفتور، ويدب إليه الكسل.. فالصائم إذا تسحر لا يمل إعادة الصيام، بل يشتاق إليه، خلافًا لمن لا يتسحر؛ فإنه يجد حرجًا ومشقة يُثْقِلان عليه العودة إليه. ثانيًا: حصول الصلاة من الله وملائكته على المتسحرين.. عن ابن عمر - رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إِنَّ اللَّهَ وملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى المُتَسَحِّرِينَ» رواه ابن حبان، والطبراني في (الأوسط)، وحسنه الألباني. ثالثًا: وقت السحور وقت مبارك؛ فهو وقت النزول الإلهي، كما يليق بجلال الله وعظمته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَنزِلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدُّنيا حين يَبقى ثُلثُ الليل الآخرُ، يقول: مَن يَدعوني فأستجيبَ له، مَن يسألني فأُعطِيَه، من يَستغفِرُني فأغفِرَ له» رواه البخاري. رابعًا: ومن بركة السحور أن المتسحر يقوم في آخر الليل، فيذكر الله تعالى، ويستغفره، فوقت السحرِ من أفضل أوقات الاستغفار إن لم يكن أفضلَها، حيث أثنى الله عز وجل على المستغفرين في ذلك الوقت بقوله: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} آل عمران: 17 وقوله: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، الذاريات: 18 فالقيام للسحور سبب لإدراك هذه الفضيلة، ونيلِ بركات الاستغفار المتعددة. خامسًا: ومن بركات السحور أنه أضمن لإجابة المؤذن بصلاة الفجر؛ ولا يخفى ما في ذلك من الأجر، وأنه أضمن لإدراك صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة. سادسًا: يطرح الله عز وجل الخير في عمل المتسحر؛ ويوفقه لأعمال صالحة في ذلك اليوم؛ فيجد انبعاثًا لأداء الفرائض، والنوافل، والإتيان بالأذكار، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، بخلاف ما إذا ترك السحور؛ فإن الصيام قد يثقله عن الأعمال الصالحة. سابعًا: في السحور مدافعة لسوء الخلق الذي قد ينشأ عن الجوع.