انتشر مؤخراً خبر قيام الصحيفة الدنماركية "يولاند بوستن" بنشر 12 رسما كاريكاتوريا تهزأ بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، في أشكال مختلفة، وتظهر في أحدها قنبلة موقوتة ملفوفة حول رأسه، بالإضافة إلى تعليقات ساخرة ومغرضة. الغريب في الأمر أن رد الفعل الفوري لرئيس الوزراء الدنماركي اندرز فوغ راسموسن كان هو إدانة غضب وتهديدات مسلمي باكستان ضد أصحاب هذه الرسوم الكاريكاتورية، ووصف التهديدات بأنها مثيرة للقلق وغير مقبولة. كما نقلت الصحف العربية أنه شدد على "حق كل شخص في التعبير عن رأيه بحرية في الإطار الذي يحدده القانون، من دون أن يخشى التعرض لعمل إرهابي". ورغم أن نوعا من الاعتذار قد حدث بعد ذلك، ولكنه كان دائماً في إطار الحفاظ على حريات الغرب في قول وفعل ما يشاء. ويتكرر الأمر هذه الفترة مع صحيفة نرويجية أخرى قامت بنشر نفس الرسوم الكاريكاتورية صبيحة يوم عيد الأضحى في استفزاز واضح يعبر عنه توقيت النشر وأسلوبه. إن الحكومات الغربية التي تنادي بحق كل شخص في التعبير عن رأيه عندما يتعلق الأمر بسباب النبي صلى الله عليه وسلم، تسلك مسلكاً آخر إذا قام شخص بالهجوم على اليهود مثلاً .. عندها لا يملك الشخص هذه الحرية في التعبير عن رأيه، وإنما يحاكم جنائياً بتهم معاداة السامية. أن تشكك في وجود الله تعالى فهذا حقك الشخصي، ولكن أن تشكك في وجود المحرقة النازية، فأنت مجرم في نظر القوانين الأوربية ويجب عقابك. أي حرية رأي تلك التي يتحدثون عنها؟ يملك الإعلام الغربي حرية الاستهزاء برموز الإسلام .. ولا يملك المسلمون – في نظر الغرب - حرية إبداء امتعاضهم من هذا الاستهزاء. الحرية الغربية تسمح للمواطن في عالم اليوم أن يمارس كل أنواع الموبقات والشذوذ، ولكنها تعترض على حق المجتمعات المسلمة في نبذ هذه الموبقات ورفضها اجتماعياً وفكرياً ودينياً .. ولا يرى الغرب تناقضاً في هذا، أو أنه يرى هذا التناقض ويحاول أن تعتاد شعوبنا على قبول التناقض ما دام غربياً. أليس من الممكن أن يكون هذا أحد أسباب تعمد استثارة شعوبنا .. هو أن تتعود على قبول ما هو غير منطقي أو مقبول ما دام آتياً من الغرب؟ إن حرية فرد ما تنتهي عندما يبدأ في التعدي على حريات الآخرين. وإن كان الغرب يرى أن له مطلق الحق في احتقار الأديان ورموزها، فإن هذه الحرية يجب أن تتوقف عند حدود العالم الإسلامي الذي لا يقبل الاستهزاء برموز الأديان السماوية.. أي أديان سماوية حتى وإن كنا في عداء أو خلاف مع أبناء هذه الأديان. فرغم أن المسلمين في عداء واضح مع الكيان الصهيوني، إلا أنه لم يحدث إطلاقاً أن تم الاستهزاء بنبي اليهود أو غيره من الأنبياء .. لم يحدث أيضاً أن رد المسلمون على الاستهزاء بنبيهم – صلوات الله وسلامه عليه – بأن سخروا من أي نبي آخر. المسلمون ملتزمون بالآية الكريمة "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم، كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون" وهي أمر قاطع للمسلمين بعدم الانتقاص من الرموز الدينية لأنصار الديانات الأخرى. إن أنصار الحرية الغربية هم من يجب أن يواجهون أنفسهم لأنهم في مأزق فكري حاد. فإن كان للغرب حرية الاستهزاء بالأديان، فلنا حرية مقاطعة من يفعلون ذلك. وإن كان الغرب يرى أن من أسس حضارته أن الحرية هي من أهم المبادئ، وأنها مطلقة بلا قيود كما يدعون، فليقبل هذا الغرب أن يدفع ثمن حرياته، ولا يتهرب من دفع فاتورة تلك الحرية، والتي ستكون عبارة عن المزيد من الخسائر الاقتصادية، والكثير من الغضب في العالم الإسلامي وغيره من بلدان الأرض التي تكره المعايير المزدوجة. أتمنى أن أرى غرباً يحمل مبادئ حقيقية، وأن يقبل حقاً أن يدافع عنها ويدفع ثمنها. إن كانت الحرية المطلقة مبدأ الغرب، فلماذا لا يمكن في الغرب أن تعتنق الفكر النازي، وتنشئ له حزباً أو جمعية، أو أن تنادي بالشيوعية، أو أن تعلن أنك تشك في حدوث المحرقة بالصورة التي يصورها إعلام الغرب .. أو أنك ببساطة لا تعتنق فكرة عصمة اليهود؟ لماذا لا يمكن في الغرب أن يكون لك حق الغضب عندما تهان رموز الأمة؟ ولماذا لا يسأل الغرب نفسه عن تاريخه مع الحرية؟ إن أبشع جرائم الاعتداء على الحريات في تاريخ العالم ارتبطت بالغرب، أكثر من ارتباطها بأي منطقة أخرى من مناطق العالم. هل يحتاج الغرب إلى من يفتح له صفحات تاريخه الأسود الذي امتد طوال القرون الماضية بدءاً من عبيد روما، ومروراً بالقرون المظلمة، وحتى الاضطهاد العنصري للسود والهنود في القارة الجديدة، وأخيراً سجون أبو غريب وجوانتانامو. الحرية حق للجميع، وواجب على الجميع أيضاً أن يتكاتفوا لحمايتها من الحمقى في الغرب والشرق معاً. وعندما تتحول الحرية إلى وسيلة للتقليل من شأن الأمم الأخرى والرموز الدينية التي تحترمها هذه الأمم، فلا عجب أن تفرز حرية الغضب المقابلة ما لا تحمد عقباه على الغرب الذي يتمنى توقف الإرهاب نظرياً، ولكنه يعمل على تغذيته كل صباح. إن الأمة الإسلامية ليست أمة من الملائكة، والغرب ليس كذلك قطيعاً من الحملان الوديعة .. وإن أردنا جميعاً أن يتوقف الإرهاب، فلن يكون لذلك طريقاً إلا عندما تحترم هذه الأمة وتحترم مقدساتها. إننا في العالم الإسلامي نكره العنف في غير مواضعه، ونشجب أية أعمال تخالف تعاليم الإسلام السمحة. لكننا في المقابل لا نستطيع أيضاً أن نوقف ردة الفعل الغاضبة على تصرفات الحمقى في الغرب، وتكاسل السياسيين هناك عن تحمل تبعات المواقف المشينة التي ترتكب باسم الحرية في حق الأمة المسلمة. الحرية والآمان هما هدف كل شعوب الأرض .. ولن يجتمعا إلا عندما يتوقف الغرب عن استفزاز هذه الأمة .. وأقول لقادة الغرب .. أليس فيكم رجل رشيد! [email protected]