هذا ما شعرت به بعد أن قرأت نصوص قانون الكيانات الإرهابية و الذي وافق عليه مجلس الوزراء في اجتماعه لمواجهة خطر الإرهاب . والقانون مقتبس من القانون الأمريكي باتريوت آكت أو القانون الوطني لمكافحة الإرهاب، و الذي أصبح بكل أسف مرجعا للدول الغير ديمقراطية في التضييق على الحريات العامة بحجة مكافحة الإرهاب ، غير أن القانون الأمريكي يتيح سجن المشتبه بهم أسبوع واحد فقط ، و ليس لشهور طويلة كما يحدث في بلداننا العربية، لتولد نسخة مشوهه منه يعذب بها مواطنوهم. وقانون الكيانات الإرهابية يحمل العديد من النصوص المطاطية التي تصلح لأن تتهم مزارعا بالإرهاب لأنه أحرق قش الأرز في أرضه ، أو توصم أحدهم بالإرهاب لأنه دخل في نزاع على ملكية شخصية مع آخر، أو أن تنزع أم من أحضان أولادها و تعدم لأنها أبدت رأيا لم يعجب مراقبيها على صفحات التواصل الاجتماعي ! وسأحاول هنا تسليط الضوء على هذه النصوص المطاطية : من يلحق الضرر بالبيئة يستحق لقب إرهابي : يعتبر كياناً إرهابياً كل جمعية أو منظمة أو جماعة أو عصابة، تمارس أو يكون الغرض منها الدعوة بأي وسيلة إلى الإخلال بالنظام العام أو ...... الإضرار بالوحدة الوطنية، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالمواد الطبيعية وعليه فلنا أن نعتبر أن من يحرق قش الرز، أو يرمي القمامة في الشارع، أو يلوث النيل، أو يتسبب في التلوث السماعي ( الضوضاء ) ، أو يمتلك مصانع ملوثة للبيئة، كيانات إرهابية كما أن البند احتوى على مصطلح غامض سمي بالمواد الطبيعية ، وغير معروف تحديدا ما كنهها ولكن معروف عاقبة من يمسها بسوء .
من يلحق الضرر بالممتلكات " الخاصة " إرهابي : أتفهم أن يصدر قانون بمعاقبة من يتسبب في الإضرار بالممتلكات العامة ، و لكن أن يعاقب بالإعدام من يضر بالممتلكات الخاصة فهذا شطط في التشريع ، فالنفس البشرية جبلت على حب الشر و القدرة على تسبب الأذى للغير تماما كما جبلت على حب الخير و مساعدة الآخرين ، و عبارة كهذه يمكن أن يستخدمها الأفراد لإلحاق الأذى بالآخرين. الإضراب حق غير مشروع : في تعارض صريح وواضح مع نصوص دستور 2014 و تحديدا المادة 15 منه و التي نصت على أن "الإضراب السلمي حق ينظمه القانون"، نص قانون الكيانات الإرهابية على أن يعتبر كياناً إرهابياً كل ..... ، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو .... ، أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو ..... أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر من القيام بعملها أو ممارستها لكل أو بعض أوجه نشاطها، أو مقاومتها، أو تعطيل المواصلات العامة والخاصة أو منع أو عرقلة سيرها أو تعريضها للخطر بأي وسيلة كانت أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى وعليه نستنج أن المنظمات العمالية و العمال المضربون سينضمون إلى لائحة الكيانات الإرهابية اذا ما فكروا في إضراب يتسبب في تعطيل أماكن عملهم تعطيلا جزئيا أو كليا .
التظاهر يؤدي إلى حبل المشنقة : المثير للتأمل أن السيسي الذي اتهم مرسي بأنه " أخد السلم معه " صادر كل ما أوصله إلى كرسي الرئاسة، ابتداءا من المظاهرات السلمية التي حوصرت بقانون التظاهر انتهاءا بقانون إعدام الثورة المسمى زورا و بهتانا بقانون الكيانات الإرهابية . فالقانون ينص على أن من يتسبب في تعطيل المواصلات العامة والخاصة أو منع أو عرقلة سيرها سيدرج تحت تعريف الكيان الإرهابي والمظاهرات بطبيعة الحال تتسبب في تعطيل الشوارع و المواصلات العامة توجيه انتقاد للمؤسسات الدينية يستوجب الإعدام: حيث اشتمل التعريف الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، لنفهم أن أي كاتب أو منتقد أو متعرض لأي مؤسسة دينية يراها المراقب انها تمثل إضرارا بالوحدة الوطنية فسيعاقب بجريرة كونه كيان إرهابي. تحصين الدستور و القوانين: فجرمت الدعوة بأي وسيلة لوقف العمل بقانون معين، أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح، و أعد الداعي لهذا التغيير أو التعطيل ، إرهابي يطبق عليه الجزاءات الواردة في القانون كما اشتمل القانون أيضا على نصوص تعسفية ، كتلك التي تعاقب المحرض بنفس عقوبة الجاني و لو كان تحريضا غير علنيا، و بأي وسيلة و لو لم يترتب عليها أثر وذلك النص يمثل كارثة بحد ذاته بمعزل عن النقاط السابق ذكرها، فالنصوص هنا تتعارض مع بنود الحريات التي كفلها الدستور ، و من حق أي كاتب أو مواطن إبداء آرائه الشخصية بدون أن يكون عليه رقيب أو حسيب أو ينتهي به المطاف إلى حبل المشنقة يتساوى في جرمه مع من حمل السلاح و روع و قتل ! ونصا كارثيا آخر جعل القائمين على تنفيذ أحكام القانون في منأى عن المساءلة جنائيا إذا استعملوا القوة لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال ، أي أن القتل سيكون للاشتباه، و الخطر ليس محدقا بالأنفس فقط بل و بالأموال، تتساوى في ذلك مع الأرواح المسموح بإزهاقها ! والقانون هو سبة على جبين مصر الثورة، التي بدلا من أن تتجه نحو إعطاء المزيد من الحريات للشعب المصري بعد كبت لها دام لسنوات تسبب في انفجار الشعب في ثورة عظيمة ، اتجه لمزيد من الضغط و مزيد من تكميم الأفواه و الحجر على العقول و الأقلام. ذكرت مرارا و تكرارا أن القبضة الأمنية لن تؤدي إلا لمزيد من الاحتقان، مزيد من العنف و عدم الاستقرار، و ترك الأقلام حرة كاشفة و ناقدة للأوضاع الخاطئة، من شأنه و أن يصحح المسار عوضا أن يتبنى النظام نفس أسلوب مبارك في العناد مع توجهات و ميول الشعب. الوفرة في إصدار القوانين و التشريعات في معزل عن مجلس الشعب يجب أن يقابله مزيد من الحريات للسلطة الرابعة و مشاركه أكبر من الشعب في القرارات التي تصدر في حقهم لحين انتخاب مجلس شعب يسترد حقه الطبيعي في التشريع .