فى الآونة الأخيرة زادت حالات الانتحار بشكل مُلفت، فما بين الشنق وقطع الشريان والسقوط من أعلى البنايات احتار الكثيرون فى أسباب الانتحار، ولكن آخر تقاليع الانتحار، أصبحت "اعمل نفسك ميت عشان تتشهر". نفس «الناي» المتردد ناى كان صداه فى أرجاء مصر، عزفها علق مع الكثيرين، فإذا كانت حادثة انتحار عازفة الناي، ندى أسامة آخر الحوادث التى صدمت المجتمع، حيث تناقل أصدقاؤها خبر انتحارها عبر صفحات موقع التواصل الاجتماعي، وبدأ الجميع يرسمون سيناريوهات لانتحارها وحياتها لتفاجئ الجميع فى نهاية اليوم أنها على قيد الحياة، مشيرة إلى أنها قد حاولت الانتحار أكثر من خمس مرات خلال ثلاثة أيام لمرورها بمشاكل دفعتها لذلك، وفوجئ الجميع بأنها مازالت حية وقيل إن الخبر انتشر للشهرة. لم تكن الوحيدة التى انتشر خبر وفاتها بزعم أنه للشهرة، ففى ديسمبر الماضي، انتشر خبر وفاة الممثلة الشابة صفاء مغربي، إثر إصابتها بأزمة قلبية أثناء عملها ونقلت على إثرها إلى مستشفى دار الفؤاد، ونشر زوجها المخرج يوسف شرف الدين، عبر صفحته على "فيس بوك" عددًا من الصور، وهى راقدة على السرير داخل المستشفى. وتم انتشار تلك الصور بعد ذلك مع تداول خبر وفاتها بين أصحابها وزملائها فى الوسط الفني، معبرين عن حزنهم الشديد. ولكن خرج زوجها بعد ذلك نافيًا خبر وفاتها، قائلاً: «حسبى الله ونعم الوكيل، وهقاضى كل من عمل ده، صفاء فى غيبوبة وبيغمى عليها من إمبارح وقولت ده من بدرى لما كانت بدار الفؤاد وحالتها صعبة وقولت بسبب وجع شديد بصدرها من أسبوعين ليه كل قلة الأدب دى حسبى الله ونعم الوكيل». ولم يتقبل الوسط الفنى والإعلام فى ذلك الوقت ما حدث وتم اتهام «صفاء» و«زوجها»، بأنهما أثاروا تلك الشائعة رغبة فى الشهرة. تصنيفات مصر فى الانتحار وأجريت العديد من الدراسات حول موضوع الانتحار والتى أثبتت أن هناك ما بين 800 ألف إلى مليون شخص تقريبًا، يموتون كل عام عن طريق الانتحار، مما يجعله عاشر الأسباب الرئيسية للوفاة فى العالم، كما أن المعدلات أعلى فى الرجال عنه فى النساء وهناك ما يقدر بنحو من 10 إلى 20 مليون محاولة انتحار فاشلة كل عام، وقد ثار الجدل حول فكرة الانتحار فالبعض يرى أن المنتحر ليس بكافر، وآخرون يرون أنه كفر دون جدال، وتعددت الأسباب المؤدية للانتحار إلى أن وصل الحد لانتشار فكرة الانتحار الكاذب من أجل الشهرة. وقد نشرت «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات»، دراسة رصدت فيها حالات الانتحار داخل المجتمع المصرى خلال الفترة من يناير 2015 حتى أبريل 2015, مشيرة إلى أن إجمالى حالات الانتحار الموثقة وصل إلى 114 حالة خلال الأربعة أشهر المنصرمة، وقد زاد هذا الرقم بنسبة تتجاوز 35 % خلال الأربعة أشهر الأولى من عام 2015، فقد جاءت مصر فى المرتبة ال96 عالميًا من حيث معدل حالات الانتحار. نفسيون: مرض نفسى أو شهرة فيما أكد النفسيون أن الشهرة هى سر أخبار الانتحار الكاذبة، وأكد عبدالمقصود باشا، رئيس قسم التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر، أن فكرة الانتحار تختلف باختلاف المجتمعات والمستويات الفكرية والثقافية فهناك بلاد تعيش فى رغد وتسبب هذا الرغد إلى جانب هواء التفكير إلى اللجوء لفكرة الانتحار وهناك مجتمعات تعيش الفقر المدقع وهو ما دفع أفرادها أيضًا للانتحار، فنحن نعيش فى زمن كل شيء فيه مباح وعدم الاعتقاد فى الدين والإيمان بأن هناك حياة باقية يجب أن نعمل من أجلها. أوضح «عبدالمقصود»، فى تصريحات خاصة ل«المصريون»، أن وسائل الإعلام دخلت فى متاهات فى الفترة الأخيرة، بتقديم من هم ليسوا مؤهلين للفتوى، فأفتوا بما ضل الناس. وأكد «عبدالمقصود»، أنه لا يوجد دليل فى أى دين من الأديان يفتى بجواز الانتحار، فجميع الأديان حافظت على حياة الإنسان والحديث على أن المنتحر ليس بكافر أمر يستوجب الدهشة ولا أعلم ما مصدر هذه الفتوى، فمهما كانت المصاعب التى يعيشها الإنسان ومهما كانت الصعوبات لا يوجد ما يبرر هذه الجريمة. من جانبه، قال هاشم بحري، رئيس قسم الطب النفسى جامعة الأزهر، إن أعداد حالات الانتحار فى مصر ليست كثيرة وإنما باتت معروفة إعلاميًا، فالمصريون معروفون بالطابع المتدين ولكن أسباب الانتحار تتنوع ما بين ضعف فى الشخصية وعدم القدرة على الكفاح، حيث يجدون فى الانتحار طريقًا سهلاً للشهرة أفضل من التعب وبذل المجهود. وأضاف «بحري»، أن البعض الآخر يريد توصيل رسالة للآخرين ليشعروهم بالتقصير فى حقهم وأن المجتمع ظلمهم وهناك أشخاص غير قادرين على مواجهة المشاكل، مشيرًا إلى أن أغلب الحالات تعانى من مرض الاكتئاب العقلى بحيث يؤثر أى ضغط بسيط عليهم بنسبة تزيد عن 15% من معدل تأثيره على غيرهم من الناس. وأشار «بحري» إلى أنه لابد أن يهتم التعليم بمساعدة الطلاب على كيفية إيجاد حلول للمشاكل وأن ينتهى دور التعليم التلقينى الذى جعل الناس تصل لمراحل الاكتئاب والانتحار. وأردف، أنهم لم يعتادوا على التفكير السليم ولابد من سرعة العلاج النفسى حتى لا يصل المريض لدرجة كبيرة من الاكتئاب بحيث يدفعه للانتحار، مضيفًا أن هذا القرار يتطلب شجاعة فهو ليس بالقرار السهل ومن يتخذه يكون قد وصل لآخر الدنيا، حيث توقف تفكيره وباتت مشاعره جامدة، فصاحب هذا القرار قلبه ميت ولا تفرق معه الحياة. وفى هذا السياق، قال نادر بكار، مساعد رئيس حزب النور لشئون الإعلام، إن المنتحر ليس بكافر وإن كان قد وقع فى إثم كبير لكن الله سبحانه وتعالى، قد يغفر لهم استنادًا لأحاديث صحيحة وما أجمع عليه أهل السنة، حسب قوله. وأضاف «بكار» فى مقال له بعنوان «ليست ندى وحدها من انتحر» أنه لا يبرر فكرة الانتحار ولا يمتلك رهافة الحس ولا يدعيها، لكن اليأس الذى يدفع فتاة فى مثل عمر، زينب وندى، لا تفتقر إلى أقل ثقافة دينية تبصرها بفداحة الإقدام على قتل النفس لهو يأس مخيف.. يأس مهول.