عن النكسة التى يعيش صاحبها وهماً يسيطر عليه طوال حياته لا يستطيع الخروج منه ، وفى عام 2007م خرج فاروق حسنى فى برنامج " البيت بيتك " بحلم " البنطلون " ، وملخصه أن معاليه رأى فيما يرى النائم أنه ركب قطاراً مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأن مشروباً سقط على بنطلونيهما ، فأخذهما أحدهم " البنطلونين " ووضعهما فوق بعض واقتطع جزءاً منهما بمقص ، ثم أعادهما اليهما ! حسنى بعد كل نكسة كان يلوح بالتنحى ويشرع فى تلاوة خطاب تنحيه فيصده مبارك ، الذى رفض استقالته بعد كارثة حريق مسرح بنى سويف التى قضى فيها نخبة من فنانى مصر ونقادها ، وبعد نكسة انتخابات اليونسكو قال له مبارك جملته الشهيرة " ارمى ورا ضهرك يا فاروق " . هى نكسة الاستخفاف بالخطايا وتراكمها حتى تبتلع صاحبها وتجرفه الى الهاوية . يعيش فى الوهم المقيم ويستشعر أن الوزارة بدونه لا تساوى شيئا وأنه " حبيب الملايين " الذى لا بديل عن استمراره فى الكرسى مهما كانت الأخطاء والخطايا ، وكان يعيش معها دور الزعيم الخالد الذى خرجت الجماهير عقب خطاب تنحيه تهتف وتسترخص أرض الوطن الى جانب حياته الغالية " سينا دى حبة رمال .. أهم حاجة حياتك يا جمال " ! هذه نكسة أيضاً ، أن يعيش أحدهم أو كيان ما فى وهم لا ترجمة ولا انعكاس له على أرض الواقع ، ليتخيل أن الجماهير العريضة تزغرد بحبه ومتيمة به وتنتظر عودته الميمونة بفارغ الصبر . تجرع الجميع مرارة الهزيمة والانكسار بعد نكسة يونيو 1967، لكن سرعان ما ظهرت القوى الوطنية بالبحث عن ما يعيد البسمة والثقة في النفس بتصحيح الأخطاء ونقد الذات واعادة البناء على أسس سليمة . بالفعل نجحت مصر بهذا النهج التصحيحى فى استعادة سمعتها و كرامتها من خلال إعادة تكوين المشاعر الوطنية للمصريين وأيضاً سرعة تواجدهم على الساحة العربية والدولية وبالاصلاحات الداخلية وميثاق العمل الوطنى واعادة بناء الجيش .. الخ ، وكلها أحداث أدت إلى خلق مناخ من تصحيح المسارات والأخطاء ، وكان من نتاجها الوصول إلى انتصار 73م التاريخى . الدولة هنا والسلطة تنتقد ذاتها وتصحح من أوضاعها وصولاً الى تحقيق النصر . لكن ماذا عن نكسة التيار الاسلامى فى الخمسينات وقبلها فى نهاية الأربعينات فى الملكية ، وبعدها فى أواسط الستينات ؟ ثلاث نكسات اذاً للاخوان ، فضلاً عن نكسات الجماعات الأخرى حديثاً ؟ هل نقدوا ذاتهم وصححوا أوضاعهم حتى لا تتكرر تلك النكسات ؟ لا – وتلك هى النكسة الحقيقية – فقد انتكسوا جميعاً للمرة الخامسة أو ربما السادسة فى تاريخ الحركة الاسلامية المصرية ، بدون نصر واحد يذكر !َ ماذا عن الاخوان فى السجون أيامها بعد الهزيمة القاسية والنكسة المزلزلة ؟ يقول التاريخ ، وتلك من علامات الاخوان المضيئة – التى طمستها للأسف مواقف اليوم المغالية فى الخصومة والانتقام والهوس – يقول التاريخ ان الاخوان تناسوا محنتهم والمظالم التى تعرضوا لها وطلبوا الخروج من السجون للمشاركة فى القتال ومؤازرة الجيش المصرى ومؤسسات الدولة لالحاق الهزيمة بالعدو الاسرائيلى ومحو عار الهزيمة ! وتعهدوا بالعودة مرة الأخرى لتوضع الكلبشات فى أيديهم بعد اتمام المهمة الوطنية . هل اخوان الستينات غير اخوان اليوم ؟ وما الذى تغير ؟ هى نكسة حقيقية .. نكسة أخرى مختلفة عن النكسة التى يشمت فيها الاخوان بشكل موسع اليوم لتوظيفها فى الصراع مع الجيش والدولة . صار كل شئ مهم الا الوطن . صار رضا الغرب مقدم . اصطنعوا أعداء لهم غير اسرائيل والصهاينة . صار الجيش المصرى هو العدو الأيديولوجى وهو الاحتلال العسكرى ! لم يعد هناك تفكير فى تجاوز المظالم والمصالح الحزبية والتوحد وقت المحن والأزمات الوطنية لانقاذ مصر والتصدى مع الدولة ومع الجيش للمخاطرالخارجية ، التى هى اليوم أضعاف أضعاف مخاطر الستينات . هى نكسة بالفعل .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.