ما حدث في مدينة "درنة" الليبية ، شرقي البلاد وعلى مقربة من "طبرق" مقر حكومة مجلس النواب المنحل وميليشيات خليفة حفتر كان مبهرا وكاشفا لحقائق كثيرة حاول البعض طمسها ، كانت هناك معركة مهمة للغاية ، في رمزيتها ودلالتها ، تجري بين مجلس شورى ثوار المدينة وبين كتائب تنظيم "داعش" المتشدد التي تستولي على مساحات كبيرة من المدينة ومقرات وفنادق ولها معسكرات ومستودعات ذخيرة ، واعتبرت أنها أسست "ولاية درنه" ، ومارست العسف بالمواطنين من خلال ما أسمته "المحاكم الشرعية" وقتلت واغتالت عددا من المواطنين ومن العلماء وقيادات الثوار والمجاهدين المشهود لهم بالصلاح والاعتدال ، فكان أن قرر مجلس شورى المجاهدين في المدينة إعلان الحرب على تلك الميليشيات أيا كانت العواقب والتكاليف ، وتضامن معهم أهالي المدينة وكانوا لهم ظهيرا وسندا "لوجستيا" ، ونشبت معركة طاحنة وبالغة العنف والضراوة على مدار ثلاثة أيام تحت شعار "فهل ترى لهم من باقية" ، تحديا لشعار داعش الشهير "باقية وتتمدد"، انتهت إلى دحر مجموعات داعش وهزيمتهم هزيمة ساحقة وقتل العشرات منهم وإجبار العشرات الآخرين على تسليم أنفسهم لمجلس شورى المجاهدين ، وتسليم الذخيرة ، وتم الاستيلاء على مستودعات الذخيرة التابعة للتنظيم وجميع مقراتهم ، وفر الباقون إلى خارج المدينة ، وعلى وقع الاحتفال بالنصر على "داعش" قام الثوار برفع علم الدولة الليبية على المؤسسات الرسمية في المدينة إعلانا لانتصار الثورة والقانون . درنة ، مثل بنغازي ، من عواصم الثورة الليبية ، وكان للكتائب الإسلامية المعتدلة القول الفصل في حسم المعركة مع كتائب القذافي وعصاباته الإجرامية ، ويرجع الفضل بعد الله إلى تصدر الثوار الإسلاميين لتلك المعارك حتى تم حسمها بعد تحييد الطيران بقرار دولي ، وانتصرت الثورة ، ولكن جرت المؤامرات الإقليمية والدولية على الثورة الليبية ، من أجل انتزاع زمامها من أصحابها الشرعيين ، والذين قبلوا التنحي جانبا لكي يتم بناء الدولة الليبية الحرة الجديدة على أسس من التعددية والحرية والكرامة والشفافية ، إلا أن تدخلات خليجية وإقليمية أخرى أبت إلا أن تصدر الفوضى لليبيا ، وتحاول إعادة انتاج دولة القمع والاستبداد والجنرالات ، ووظفوا البرلمان المنحل في وصف الثوار بأنهم إرهابيون ، وبعد ما وقع من تحولات في مصر بعد 3 يوليو 2013 ، طمع البعض في أن يكرر السيناريو في واقع مختلف ، في ليبيا ، فتم الدفع بالعسكري المتقاعد "خليفة حفتر" الذي قضى حوالي عشرين عاما في أمريكا بعد هزيمته النكراء في تشاد ، وأنفقت على حفتر أموال طائلة ، خليجية وليبية ، كما تم توريد كميات ضخمة من السلاح له ، رغم الحظر الدولي على السلاح إلى ليبيا وتدريب ميليشياته في عدة عواصم عربية ، وكان كل ذلك تحت شعار أو ستار "الحرب على الإرهاب" ، حيث تم تسويق رواية أسطورية عن أن الثوار في بنغازي وطرابلس ودرنه ومصراته وغيرها من مدن ليبيا الحرة الذين يرفضون جرائم حفتر وعودة النظام القديم بأنهم إرهابيون ، وذلك استغلالا لوجود اختراقات لبعض التنظيمات المتشددة والمحدودة ، ودخل حفتر وميليشياته إلى بنغازي معلنا الحرب على ثوارها بدعوى تحريرها من الإرهاب ، فحولها إلى مدينة خراب ودماء ، وعلى مدار عام حتى الآن لم يفلح في مسعاه ، حيث صمد الثوار أمام المؤامرة الإقليمية وأذاقوا حفتر وعصاباته المرار ، وحتى الآن . من هنا تأتي معركة "درنة" كاشفة ، لأنها كشفت للعالم كله خرافة ما يروجه حفتر وداعموه الإقليميون من أنه يحارب الإرهاب ، وقد فشل ، وقد كانت درنة على بعد عشرات الكيلومترات من مقر حكومته ولكنه عجز عن الدخول إليها أو كان يتواطأ كما يردد كثيرون مع قيادات "داعش" لتعزيز الفوضى والإرهاب ليبرر خطابه ومشروعه ، فإذا بالعالم يفيق على حقيقة أن الذي يحارب الإرهاب في ليبيا هم الإسلاميون ، وأن مجالس شورى الثوار والمجاهدين ، هي وحدها القادرة على محق الإرهاب ، وهي وحدها التي نجحت في سحق كتائب داعش وطردها من مدينة درنة ، بينما الجنرال المتعجرف والمدعوم خليجيا وإقليميا يضيع في شوارع بنغازي طوال عام ، ويسلم في النهاية بعجزه ، وكان الأمر نفسه يكاد يتكرر في "سرت" حيث نجحت قوات فجر ليبيا في محاصرة الدواعش ، فقام حفتر بفتح جبهات واسعة عليهم في محيط العاصمة ليجبرهم على الانسحاب من سرت لحماية ظهر العاصمة ، فتمددت داعش بعدها في سرت وما حولها . معركة درنة ، وتطهيرها من التنظيمات المتشددة "الدواعش" أعادت الاعتبار للثورة الليبية ورمزيتها ، وللإسلاميين من أبنائها بشكل خاص ، وقد فشلت كل المحاولات لإلصاقهم بالقاعدة أو أي تنظيمات متشددة أخرى ، من أجل تشويه صورتهم أو تشويه معركتهم الكبيرة مع داعش ، وقد رد المجاهدون على محاولات التشويه الرخيص بأن رفعوا علما واحدا في سماء المدينة ، وعلى أسطح مؤسساتها الرسمية ، علم الدولة الليبية ، علم ليبيا الثورة .