يتوجس كثيرون من المصريين خيفة من أن تأخذ الانتخابات البرلمانية المصرية منحى مغايراً لاستحقاقات المرحلة ويقع ما يتحسب له أنصار الثورة المصرية من عرقلة المسار الانتخابي أو تكبيل برلمان مصر القادم بجملة من القيود التي تفرغه من صلاحياته الأساسية، وتحيله إلى مجرد منتدى يتداول فيه المعارضون والمؤيدون آراءهم دونما تأثير على مسارات الاقتصاد والسياسة المصرية الداخلية والخارجية. ويؤسس البعض هواجسه على مجموعة من الإجراءات التي تنال من فعالية المجلس القادم وربما من شرعيته، وهي كثيرة، لكن ما يعنينا منها هو ملف تصويت المصريين بالخارج في الانتخابات المقبلة، والذي تم استكماله على عجل وبنحو قد يثير بعض المخاوف والتساؤلات حوله من حيث دستوريته والوقت الحرج المتاح لاستكمال بيانات الناخبين، وطريقة التصويت ومسألة عدم الإشراف القضائي عليها والمخالف للقواعد المرعية حتى الآن، وهو ما يشير إلى خلل واضح في طريقة اتخاذ القرار حوله، ورغبة البعض في توظيفه بما يرفع من قدرة بعض القوى السياسية على استغلاله لصالحها، والتقليل من حظوظ أخرى على رفع نسبة تمثيلها في المجلس النيابي القادم. ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً؛ فإن قراراً اتخذ بعد حكم قضائي بالسماح للمصريين العاملين في الخارج بالتصويت في الانتخابات القادمة سمح لبعض المصريين بالخارج بممارسة حقهم الطبيعي والدستوري في انتخاب ممثليهم في البرلمان، لكنه حرم ملايين من المصريين في الخارج من هذا الحق لأنهم لم يتمكنوا من تسجيل بياناتهم في سفارات مصر وممثلياتها القنصلية نظراً لضيق الوقت المتاح لهم. كما أن الحكم الصادر بتمكين المصريين بالخارج من التصويت لم يحل إشكالية ضرورة توفير قضاة لتحقيق الإشراف القضائي على العملية الانتخابية بالسفارات والقنصليات، وهو ما تسعى اللجنة العليا القضائية للإشراف على الانتخابات من تعويضه بنص يضمنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إعلان دستوري مزمع (إن لم يفعل فالمجلس القادم قد يقع تحت طائلة الحل بسبب عدم تحقق شرط الإشراف القضائي على كل اللجان الانتخابية). ومع أن لا أحد بوسعه التشكيك في وطنية العاملين بالخارج وحرصهم على نهضة مصر وتحقيق إرادة شعبها في حكم مصر ومراقبة أداء رؤسائها وحكوماتها المقبلة؛ فإن فريقاً من النشطاء والقوى السياسة التي ناضلت من أجل تحقيق حق المصريين في الخارج في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية المصرية، وهذا الفريق يتصور أن صوت العاملين في الخارج يمكن أن يكون إضافة للقوى الليبرالية في مصر ويحد كثيراً من حظوظ القوى الإصلاحية في مصر، وبالتالي كان اهتمامهم بالغاً بتحفيز العاملين في الخارج في بلدان بعينها على التصويت، وهذا حقهم بالطبع، لكنني لا أرى في المقابل أن جهداً ما يتحقق في بلدان الخليج التي يتوافر فيها جاليات كبرى. والرسالة التي أود أن تصل لكل العاملين المصريين في الخارج عموماً والخليج خصوصاً أن أصوات 15% من المصريين بالخارج ستحسم المعركة الانتخابية في الداخل وستشكل الخريطة السياسية المصرية القادمة، وحيث تبدو الفعاليات على أشدها في الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا وبريطانيا من أجل تشجيع المصريين هناك على اختيار تيار ما؛ فإن من واجب الآخرين في الخليج العربي أن يزنوا هذه الكفة، لا من أجل التصويت للتيار الإصلاحي المصري بالضرورة، وإنما لكي يكونوا حاضرين - أيا كانت خياراتهم ومهما كانت درجة تحفظهم على الطريقة المرتبكة التي أقر بها حق المصريين في الخارج بالتصويت - في رسم الخريطة المستقبلية لمصر الجديدة. أنتم في الحقيقة أمام تحدٍ كبير، وفي ظل عملية انتخابية تجري بالخارج وفقاً لحسابات نظام مبارك في كثير منها، إذ لا ننسى ولا نغفل أبداً أن القسم الأكبر من دبلوماسيينا المصريين في الخارج هم من فريق وزير الخارجية المخلوع أحمد أبو الغيط، وربما لم يرق لبعضهم أن تسير مصر على الجادة. الرسالة التي يتوجب وصولها لكل مصري بالخليج وخارجه، كونوا حراساً لإرادتكم مثلما كان بعضكم حارساً أيام "الثورة" أو شاركتم بكل مشاعركم وقدراتكم فيها في غربتكم التي كان معظمكم فيها قسرياً بسبب سياسات نظام مبارك الاقتصادية والسياسية.. كونوا إيجابيين في تسجيل بياناتكم والإدلاء بأصواتكم والإبلاغ عن أي تصرف مريب يحدث في أي لجنة للمراقبين الحقوقيين الأصلاء في مصر.. زنوا الكفة بحرصكم على وصول من ترون أن فيهم الخير لبلدكم، ومن يحقق طموحكم وآمالكم؛ فحتى اللحظة التي كتبت فيها هذه الكلمات لم يسجل أكثر من مائة ألف مصري بالخارج بياناتهم.. لكم أنتم القدرة على تصحيح مسار مصر المستقبل إذا كنتم حضوراً يقظين. لم تبق إلا أيام قليلة جداً (حتى 19 نوفمبر الحالي)على إغلاق الباب أمام حقكم في التصويت فبادروا إلى التسجيل فوراً، واحفظوا مكتسبات "ثورتنا" القليلة من الضياع.