هذا مقال كنت قد أزمعت على كتابته منذ أمد ، ثم شغلت عنه حتى قرأت خبر صدور " المصريون" الورقية ، فنشطت له، على أنه ليس من طبيعتي التملق والاطناب في المدح ، ولست أحسنهما كذلك. عهدي بالمصريون كاتبا - بل وقارئا- ليس بعيدا جدا، ومع ذلك فهي- الآن- الصحيفة التي أبدا بها لمطالعة الأحداث أو التي أنتهي إليها إن طالعت قبلها صحفا أخرى؛ لأعرف الخبر على وجهه بعيدا عن عمليات التزوير المعهودة التي تقوم بها الصحف الأخرى. إن العلامة المميزة لصحيفة " المصريون" هي " التفرد" أو "الانفراد"، وليس هذا التفرد أو الانفراد هو تفرد بالخبر أو نشر ما لم ينشره الآخرون أو ما يعرف بالسبق الصحفي ، وإن كانت المصريون لها باع في هذا الأمر ؛ لكن الانفراد والتفرد هنا هو في المنهج الذي تسير عليه الصحيفة بحيث أصبح علامة فارقة تُعرف بها المصريون ، كما نجح في استقطاب هذا العدد الكبير من القراء والمعجبين في مدة ليست بالطويلة. منهج المصريون الذي هو سر تفردها وتفوقها ليس فقط في ابتعادها عن أن تقوم بدور " الطبال" الذي يملأ الدنيا ضجيجا ومديحا من أجل عيون المسؤولين في الحكومة كما هو الحال في الصحف القومية التي كانت تهلل للنظام الفاسد وتتغنى ليل نهار بإنجازاته – التي لا وجود لها على أرض الواقع- وتسكت عن جرائمه وموبقاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية . أقول: ليس هذا سر تفرد المصريون ، فإن الصحف المعارضة قد لا تشتغل بهذا ، وقد تقوم بضده ؛ لكنها – أي تلك الصحف المعارضة – وإن كانت قد خرجت من عبودية النظام الفاسد ، لكنها دخلت في عبودية الممولين لها الذين لهم من المصالح والمخاطر ما لا يقل عن مسؤولي النظام الحكومي الفاسد. هنا تفرد المصريون ، إنها مستقلة فعلا لا قولا ، وحقيقة لا زعما ، لم تكن تنتظر رضا أعمدة النظام الفاسد ليمولوها بنفوذهم فتروج وتبقى ، ولا تنتظر رضا المال الطائفي لتنتفخ به جيوب القائمين عليها؛ فيكتبوا ما يروق لأولياء النعمة. إنها مستقلة لا تعرض على واجهتها صورا عارية لتستقطب القراء كما هي عادة بعض الصحف . بل تنتظر أن يقوم استقلالها وصدقها بهذا الاستقطاب بطريق نزيه غير خسيس ولا دنيء. إنها صحيفة مصرية بمعنى الكلمة ، وهو الشق الآخر لوجه تفردها وانفرادها ؛ فهي الصحيفة الوحيدة التي لا تعادي شعب مصر ولا تتخذ من هويته وشعائره ومقدساته وقيمه عدوا لها. أجل ، لست مبالغا في كلمتي ؛ إن الصحف الموجودة على الساحة اليوم القومي منها والمستقل والمعارض كلها يرزخ تحت نير العبودية لقيم وهوية الأقلية العلمانية المعادية لهوية وقيم الأغلبية الكاسحة لهذا الشعب العربي المسلم ، فمهما وجدت في أعمدة تلك الصحف من كتابات نافعة، أوتحقيقات صادقة ، أو أسماء كتّاب وطنيين مخلصين لأمتهم ، إلا أن النهج العام لتلك الصحف هو الالتزام بالرؤية والهوية العلمانية المغايرة والمعادية لرؤية الشعب المصري وهويته؛ فلا يزال القارئ المصري العربي المسلم يجد نفسه كل يوم - تقريبا - يُسَب ويُهان ويُحتقر وتُمتهن كرامته عن طريق امتهان هويته ومقدساته وشعائره ونحو ذلك، وهو ما لا يكاد تخلو منه صحيفة قومية أو معارضة مهما كان توجهها الوطني وانتماؤها السياسي، ناهيك عن أنّ بعض الصحف صار- معاداة الشعب ومحاربة هويته - هو شغلها الشاغل وقضيتها التي تحارب من أجلها. لكن المصريون خلت من ذلك ، بل قامت بعكسه ، فانتمت إلى هذا الشعب وهويته وقيمه ومقدساته ، ونافحت عنها ، وجعلتها قضيتها ؛ فانتمى إليها القراء وأحبوها ولاذوا بها فرارا من الكذب والتقليق والتدليس التي تلجأ إليه بقية الصحف التي لا تنتمي إلى هوية هذا الشعب وترفض قيمه وتعادي مسلماته ؛ فتبتر الأخبار وتفتري الكذب؛ لتظهر للقارئ أن هويتها العلمانية التي تتبناها سرا أو جهرا خير من الهوية التي ينتمي إليها هذا الشعب ، وأن إحياء هوية هذا الشعب وإعلاء قيمه والتمسك بشعائره ومقدساته خطر على الوطن ومصلحة المواطن، كل ذلك في منظومة من المؤمرات المعقدة التي تحاك منذ سنين طوال للقضاء على الهوية العربية الإسلامية لمصر. أخيرا، ليس شرطا أن أكون متفقا مع المصريون في كل آرائها ومواقفها ، ولا يلزمك أنت أيضا أيها القارئ أن تكون كذلك ، لكن يكفيني ويكفيك أن نقرأ جريدة وطنية تعبر عني وعنك. وقد تأخذ أنت على المصريون أن ليس من كتابها الأستاذ فلان المشهور المعروف، وأنها فتحت بابها لكتاب متواضعين أو هواة – وفي مقدمتهم كاتب هذه السطور- لكن يبقى منهج المصريون الذي تفردت به شفيعا لها في كل ما ينقصها من كمال. [email protected]