سألونى فقالوا: هل أنت واثق من أنك اخترت القرار المناسب لتخوض انتخابات مجلس الشعب؟ كيف توافق على أن تكون مرشح حزب الحرية والعدالة، الذى أسسه الإخوان المسلمون؟ بل وفى دائرة ذات طبيعة خاصة، وهى دائرة مصر الجديدة؟ فقلت لهم: الإجابة عن تساؤلاتكم عشتها منذ زمن بعيد، فمن هناك بدأت الحكاية. "والله وعملوها الرجالة"..كتبتها والدموع تملأ عينى منذ قرابة عشرة أشهر، كان ذلك فى اليوم الأول لقيام ثورتنا العظيمة، يومها أيقنت أن الوطن بدأ فى كتابة صفحة جديدة من تاريخه، فى ذلك اليوم بدأنا نشعر بأن الطريق لاسترداد حريتنا وكرامتنا بات قريبًا، وأن الوقت قد حان لكى نصنع مستقبلنا بأيدينا، ونبدأ مرحلة جديدة من البناء والتنمية، واليوم باتت الفرصة مهيأة أكثر من أى وقت مضى لنستكمل معًا كل أحلامنا. دائمًا ما كنت أطلب أن يفكر كل منا فى طريقته لبناء الوطن، كنت ألح على كل مصرى بأن يعيش من أجل فكرة، وأن يصبغ حياته بلون مختلف، يكتسب بريقه من الرسالة التى يقدمها، والعمل الذى يبذله من أجل إسعاد الآخرين، طفت الكثير من دول العالم، وكان قلبى يعتصره الألم وأنا أشاهد الجميع يتقدم وينهض، بينما نظل نحن نتراجع، زادنى ذلك إصرارًا على نقل تجارب النجاح، والتنقيب عن الدروس المستفادة من كل بقاع الدنيا، كنت أحلم باليوم الذى يمكن أن أضع فيه هذه التجارب موضع التنفيذ فى بلدى، عشت سنوات طويلة أنتظر اللحظة التى أرى فيها مصر تتحرك فى الاتجاه الطبيعى لاستعادة مكانتها وريادتها، لم أجد ما ينقصنا فى مصر لنلحق بركب الدول الناهضة، لدينا أفضل العقول والكوادر، وأروع النماذج من الشباب، أيقنت أننا فقط كنا نحتاج للإرادة السياسية والمناخ الملائم، والروح التى تستطيع مداواة جراح الوطن، وتقديم العلاج للأمراض التى أنهكت جسده عشرات السنين. كان الحلم يراودنى دومًا أن أنقل تجارب النجاح التى صنعها الآخرون، وأن نستفيد منها بالشكل الذى يتناسب مع الخصوصية المصرية، فتصبح لنا نحن تجربتنا الخاصة التى تحمل شعار(صنع فى مصر)، اخترت أن أسلك هذا الطريق لبناء وطنى، اخترت أن أساهم مع كل المصريين فى تحقيق ذلك الحلم، اعتبر البعض أن الظرف السياسى غير مهيأ لكى أخوض تجربة انتخابات البرلمان، فالبلاد تمر بمرحلة انتقالية خطيرة، ورأى البعض فى الإقدام على تحمل المسئولية فى الوقت الحالى انتحارًا، ولكنى شاهدت الصورة بمنظار مختلف، إن لم نقدم أفضل ما عندنا كمصريين فى هذا الوقت العصيب فمتى سنتقدم؟ هل مطلوب منا الانتظار حتى اكتمال البناء، وحل مشكلات مصر، ثم نتدخل لتجميل الصورة؟ مجلس الشعب القادم هو أولى الخطوات التى تخطوها مصر فى طريقها نحو النهضة؛ دعونا نتجه من البداية فى الاتجاه الصحيح، ولنقدم أفضل نموذج لمصر ما بعد الثورة. كان الهدف واضحًا أمام عينى منذ اليوم الأول، ولذلك فقد أعلنت فى كل وسائل الإعلام مع تقدمى للترشح عن دائرة مصر الجديدة التى أسكن فيها، أنى أرحب بمنافسة شريفة ومحترمة مع كل المنافسين، وأكن لهم كل التقدير، طلبت منهم أن نقدم جميعًا المثل والقدوة لمصر كلها، لم أتردد أن أتصل بالمنافسين لتهنئتهم بعيد الأضحى، والتأكيد على شرف المنافسة، وكامل الالتزام بالقوانين والتعليمات المنظمة للعملية الانتخابية، فالمطلوب من كل منا تقديم برنامجه الانتخابى للجمهور، والحكم فى النهاية لصندوق الانتخابات وفق ما يراه المواطن المصرى الواعى، الذى صنع ثورة أبهرت العالم. أعرف أن جذوة الحماس قد خفتت عند البعض، ففقدوا الثقة، وبدأ شعاع الأمل يخفت تدريجيًا لديهم من كثرة المشكلات والأحداث اليومية التى لا تنتهى، ولكن يجب أن يصبح ذلك دافعًا لإنهاء المرحلة الانتقالية بأسرع ما يمكن، فما تحتاجه مصر الآن هو حكومة قوية تكتسب شرعيتها من برلمان ورئيس دولة منتخب، وعندها يمكن لمؤسسات الدولة أن تعود لتؤدى عملها وواجبها. ما زلت أحلم ببرلمان حقيقى يعبر عن آمال وطموحات عشنا طويلاً فى انتظارها، أراه برلمانًا يصنع مستقبل مصر ويؤدى واجبه الوطنى، لا يتصور أن يستمر دور عضو البرلمان منحصرًا فى توظيف أبناء دائرته، أو حل مشكلة مياه، ورصف طريق فى قرية تابعة له، وهى الصورة النمطية التى صنعها أعضاء الحزب الوطنى المنحل، وأصبحت جزءًا من الثقافة العامة لسنوات طويلة، وبالتالى فنحن فى حاجة إلى تفهم أدوار مجلس الشعب الحقيقية، والتى تتمثل فى التشريع، كأداة مهمة نحتاجها بشدة فى هذه المرحلة، نحن من أكثر دول العالم التى تمتلك منظومة مترهلة من القوانين والتشريعات، والحاجة ملحة الآن لإعادة ترتيب هذه المنظومة، بما يتفق وصالح الوطن فى مختلف المجالات، وأستطيع أن أزعم بأن هناك أجندة واضحة لمجموعة من القوانين، التى يجب أن تأخذ الأولوية فى البرلمان القادم، لتيسير حياة المواطن المصرى، وتحقيق النهضة والتنمية المطلوبة. الواجب الثانى الذى يجب أن يؤديه عضو البرلمان هو الدور الرقابى على الأجهزة التنفيذية، فلن تكون هناك قيمة لكل التشريعات والقوانين الصادرة عن الدولة ما لم يتم تنفيذها بحزم على الجميع بدون استثناء، أنا أثق بأن الجملة الشهيرة "انت عارف بتتكلم مع مين" سوف تختفى بإذن الله، فالكل أمام القانون سواء، وأى تقصير من موظف حكومى يجب أن يكون محل مساءلة، عانينا كثيرًا من الحكومة التى تعمل بمعزل عن صالح المواطن المصرى، وتعرف أنه لن تكون هناك محاسبة لأنشطتها، وحان الوقت لينضبط الجميع، ويعرف أن المسئولية تعنى السؤال والمحاسبة (لو عثرت دابة فى أرض الشام، لسألنى الله لمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر). يجب أن نتذكر أن مجلس الشعب القادم له دور خاص ومحورى فى بناء مستقبل مصر، فهو المعنى بانتخاب لجنة المائة التى ستضع الدستور، وترسم ملامح مستقبل البلاد لسنوات طويلة، وبالتالى فإن أجيالاً كثيرة قادمة ستتأثر باختيار هذا المجلس، وما تخطه أيدى صناع الدستور، وهى مهمة جسيمة تحتاج منا إلى حسن الاختيار فى البداية، لنصل إلى الحلم الذى ننتظره فى النهاية. رسالة إلى كل مصرى يعيش على أرضها أو يقيم بالخارج.. أخطر ما يواجهنا فى هذه المرحلة أن نرجع مرة أخرى للسلبية والانكفاء على الذات، أن يضيع منا الحلم الجميل الذى عشنا طويلاً ننتظره، حان الوقت لنشارك كلنا فى بناء الوطن، أرجوك.. تقدم الصفوف، انزل وشارك.. فصوتك فى الصندوق لا يقل أهمية عن صوتك فى الميدان، صوتك فى الميدان صنع الثورة، وصوتك فى الصندوق كفيل بأن يحقق أهدافها. [email protected]