لم يعد خافيا أن اللغة العربية فى مصر دخلت أزمة انحطاط خطيرة، وأهم مظاهر هذا الانحطاط أن القيادات السياسية العليا والحزبية لا تحسن النطق، كما لا تحسن القراءة أو كتابة جملة مفيدة، ناهيك عن الارتباك عند كل حديث حتى لو كان مكتوبا. المستوى الثانى هو القيادات الإعلامية والصحفية بما فيها كتاب الصحف الكبرى، فضلا عن صياغة الأخبار والأحداث خاصة فى الصحف الخاصة الحزبية وغيرها. والمستوى الأول والثانى قدوة للناس خاصة لمن لم تتح له فرصة التعليم أصلا، لأن الريادة عنده لا تتجزأ وتشمل صحة اللغة أيضا. أما المستوى الرابع فهم موظفو الحكومة بمن فيهم الدبلوماسيون. والمستوى الثالث يشمل أساتذة الجامعات، وأما مدرسو المدارس ومنهم مدرسو اللغة العربية فالانحطاط في اللغة فى أغلبهم. اعتاد الناس أن يدققوا فى لغة خريجى الكليات النظرية ويلتمسون العذر لخريجى الكليات العلمية، وهذا صحيح جزئيا، لكن انهيار التعليم واللغة الأم هو الكارثة التى تحتاج من جيش أساتذة اللغة والأزهر والتربية دراستها واجتراح الحلول الناجعة لها. صحيح أن هناك جمعيات لحماة اللغة وربما أكون مقصرا فى تتبع جهودها، لكن لا أجد عمليا أى تحسن ، بل الانحطاط وهيمنة لغة العامة والشارع على صحيح اللغة هو طوفان جديد. وقد نشرت الصحف أن ربع مليون تلميذ حصلوا فى الإملاء على درجة الصفر، وأنا أضيف أن 99% على الأقل من خريجى الجامعات خاصة الجامعات الخاصة بل وكليات القمة لا يجيدون الإملاء والصرف والنحو، وكانت النتيجة أن بعض هؤلاء إذا دخل مجال الأدب، اهتم بالخيال الأدبى وأغفل الجسر الذى يحمل هذا الخيال وهو اللغة. فكيف نحل لغز الطالب المتخرج من إحدى كليات القمة النظرية فى السياسة أو الاقتصاد، ولايجيد كتابة الإملاء، بل يعتبر بعض مصطلحات اللغة الصحيحة ومفرداتها أخطاءاً يقوم بتصحيحها بأخطائه الفادحة. وقد ظننت فى البداية أنه استغرق فى اللغات الأجنبية، فلم يعد للغة العربية مكان فى اهتمامه، فراعنى أنه لا يعرف أى لغة أخرى وأنه قادم من إحدى المحافظات ومن مدرسة حكومية ومن المتفوقين فى الثانوية العامة وخلال سنوات الكلية ويتابع بفخر واعتزاز دراساته العليا حتى إذا حصل على الدكتوراه انضم إلى قائمة الخريجين الذين يظن بهم العلم فى علمهم والاحاطة بلغتهم فإذا هم ينشرون الجهل بالعلم واللغة أينما ذهبوا. قد يكون عذر الطالب فى الجامعات الخاصة أن هذه الجامعات شركات تجارية تهدف أساسا إلى تعظيم هامش الربح، وهو الفارق بين تكاليف التدريس، ومصروفات الدراسة التى يدفعها الطالب فتستعين بالأساتذة الذين لايجيدون علمهم ولايجدون عملا بأرخص الأسعار، فلا يتلق الطالب إلا جهل هؤلاء الاساتذة. وبالطبع فإن حل مشكلة الجامعات الخاصة هو إلغاؤها ولكن بعد وضع استراتيجية تعليمية صحيحة تمكن الطالب النابه وحده وليس القادر ماديا من مواصلة تعليمه. واتصالا بهذه النقطة، فقد حظرت نقابة المحامين قيد خريجي كليات الحقوق بنظام الجامعة المفتوحة، وهذا موقف سليم، لكنه يعوزه أمران: الأول هو أن القرار قائم على افتراض غير صحيح وهو أن طالب الجامعة المفتوحة أقل كفاءة وعلما من طالب الجامعة النظامية، فما الفرق بين الجامعة المفتوحة ونظام الانتساب، وعندى أن الجامعة المفتوحة أفضل من نظام الانتساب ، لولا أن الجامعة المفتوحة تقبل كل الطلاب من التعليم الثانوى والمتوسط ممن لا تسعفهم قواعد القبول فى الجامعات، ولكنهم حريصون إما على استكمال التعليم، وهذا وارد نسبيا، وإما على حيازة شهادة لتحسين أحوالهم الوظيفية. أما الأمر الثانى، فهو أنه يجب أن تتوافق البدايات مع النهايات، فإذا كانت الدولة قد تبنت التعليم المفتوح، فقد أقرت المساواة فى مستوى الشهادة مع زميله، والمساواة فى الانضمام إلى النقابات.وعندي أن امتحان اللغة العربية يجب ان يكون شرطا لانضمام المحامي الي النقابة. فالحلول والاجتهادات التى تركز على طرق إصلاح اللغة مطلوب، رغم أنها جزئية، ولكن لا يمكن إصلاح اللغة بمعزل عن إصلاح حركة المجتمع بداية بالتعليم ولا مفر من البحث عن تطور تفكك اللغة والمناخ الثقافى الذى انحدرت فيه اللغة، وقيم المجتمع التى انحطت لدرجة أن التباهى بقتل اللغة صار ميزة اجتماعية ودليل علي المدنية خاصة مع تزايد عقدة الدونية حتي في المحيط العربي. ولاشك أن الحرب الخفية للإسلام أثرت على اللغة نظرا لأن اللغة حفظت طوال هذه القرون لأنها لغة القرآن الذى به تستقيم اللغة ويصح التفكير. لكننى عجبت أن بعض أئمة المساجد ممن يحفظون القرآن يخطئون فى اللغة فى خطبهم، ولكن ذلك الجانب يقتضى استبعاد هؤلاء أو إصلاحهم ولايقدح فى القاعدة العامة وهى أن البداية تكمن فى تعلم القرآن ولغته وقراءته، فمن العار فى دولة إسلامية ألا يحسن أبناؤها فى المستويات السابق أيضاحها القراءة والنطق والخط وهو من لوازم اللغة. ونحن فى مصر ننفرد دون سائر الناطقين بالعربية بانحطاط اللغة فلايغرب عن المراقب العلاقة بين هذا الانحطاط والوضع العام فى مصر. والغريب ان الناطقين باللغات الاخري لايخطؤون في لغاتهم ، ويحرصون علي اتقان لغتهم اعتزازا بهويتهم. والخلاصة انه لابد من معالجة ضعف اللغة في كل الاطر بما فيها اصلاح التعليم ، كما يجب الاهتمام بالاسراع بمعالجة الوضع الذي انحدرت اليه اللغة مع الثقافة وغيرها.ومن المفيد ان تعمد مجموعة من المصلحين الي متابعة تدني اللغة في كل القطاعات واعلان الاخطاء يوميا علي موقع خاص بها.