نعت الكاتبة كوثر الأربش، نجلها الذي توفي إثر الإرهاب الشيعي المتطرف بالمملكة العربية السعودية, قائلة: "وداعًا يا ابني إلى الأبد وأنت في قناديل الله الآن", مستشهدة بإحدى كتاباته على موقع التواصل الاجتماعي "إنستجرام", قائلة: "كتب ابني محمد العيسي معرفًا نفسه علي الإنستجرام" يومًا ما سيرى الأعمى بصمتي، وسيسمع الأصم بسيرتي", وهذا فعلاً ما حدث، رأى الأعمى بصمته، وسمع الأصم بآخر ما كُتب من سيرته, فلقد تبرع لحماية المصلين، اندفع تجاه إرهابي مطوق بحزام ناسف بدلا من أن يفرّ، فعل هذا لسبب بسيط لحماية الأبرياء، إيقاف هذه الوحوش الشرسة التي لا تستحق أن تكون جمادًا حتى. وأضافت الأربش: "فعل هذا ابني محمد؛ لأنه يحمل في عقله فكرًا مغايراً، تطبيقيًا وحقيقيًا لمفهوم الإنسانية. الجميع رأى بصمته، رأوه مقدامًا لا فارًا، رأوا اللحظة الأخيرة والانتقالية من الحياة إلى الموت، رأوا جسده محمولاً على يد المسعفين، ورأوه أيضًا ملفعًا بالبياض، ذاهبًا لربه في عرشه الدائم والأزلي ليسكن إلى الأبد في قناديله المليئة بالضوء، تاركًا خلفه فعلاً لن ينساه مئات المصلين، ملايين المواطنين، بل الكون كله . وتابعت "لكن أحدًا لا يعرف سيرة الشهيد ابني محمد كما أعرفها أنا. أنا أمه. أمه التي ستبذل جهدها، عمرها، وما تبقى من كلمات لم تقلها كي تخبر الآخرين عن سيرته للناس جميعا. لقد كان ولداً خفيفا، لطيفا، أبيضَ والأهم من هذا كله: نقيًا. لم يكن مثل بقية الأطفال يطلب الحلوى والآيس كريم، كان الخبز طعامه، هكذا وبكل بساطه: خبزا جافا. وأكدت أنها ما زالت متذكرة أحد المواقف الذي حدثت في بيت جده وأثرت بها قائلة "فقدت محمد وبدأت في البحث عنه، ووجدته قرب صندوق يجمع فيه جده بقايا الخبز، وجدته هناك نائما، نائما وعلى فمه بقايا قضمة وابتسامة رضا واسعة كالفراغ. هكذا كان ولدًا قنوعًا خفيفًا. كان حين يجوع يأكل خبزًا، وحين يغالبه النوم ينام على الكنبة أو جانب طاولة الطعام؛ وكأنه بهذا التصرف الطفولي والعفوي يريد أن يخبرني أن علاقته بدنيانا علاقة عابرة، سريعة، قصيرة. ووصفت نجلها قائلة: "كان محمد محبًا للناس, كان خادمهم، والمباشرَ في المناسبات الدينية والاجتماعية وقبل كل هذا مبتسمًا دومًا ودائمًا وإلى الأبد في وجوه العابرين صغارًا أو كبارًا. محمد، ذو النسبة المئوية الكاملة والتفوق المدرسي، ذو البساطة والتلقائية والحميمية في التعامل الإنساني مع كل من حوله. محمد ذو الروح الوثابة للتألق، للقيام بشيء ما؛ لترك أثرٍ يدلُ على الطريق. محمد مثالنا للوطن الشاب، المستلهم لماضيه، المتمكن من حاضره ليعيشه بكل ثوانيه، المتطلع لغده بكل أمنياته الخضراء. وأنكرت أن يكون نجلها طائفيًا أو إقصائيًا أو نزاعًا للفرقة قائلة: "لم يكن محمد طائفيًا أو إقصائيًا أو نزّاعًا للفرقة. قََتَله الطائفيون والإقصائيون والنزاعون للفرقة. ذهب عاريًا إلا من دمه، ليرينا أن الأبطال ليسوا بالضرورة أن يكون كبارًا، الصغار يفعلون الأشياء العظيمة أيضًا. واختتمت حديثها قائلة "كنت دائما خصيمة عنيدة للطائفية، والتطرف والكراهية واختطاف العقول واستغفال البسطاء، ولو كان ذلك في بيتي. لم أدخر جهدًا ولا وقتًا لمحاربة الضغائن والتحريض والإرهاب، سنيًا كان أو شيعيًا. كان ذلك قبل وبعد أن خسرت الكثير من علاقاتي، منهم من كان من عائلتي ومنهم من كان من أقربائي وما زال ذلك يحدث لي حتى بعد أن فقدت ابني. لطالما اتهموني بأني أحرض عليهم، وأنا ما حرضت إلا ضد الكراهية والتطرف والطائفية والإرهاب والجهل. وكنت كلما قاسيتُ أذىً وشتمًا وتهديدا تشتد عزيمتي وإصراري على عدوي الأول وهو: التطرف. لقد ذهب محمد حُرًا، اختار أن يكون درعا للمصلين. ترك لأمهات أصدقائه أن يحتضن أبنائهن كل يوم، وترك حضني فارغا منه. فأحمد الله أنه لم يكن لي ابنا كارهاً، محرضا، طائفيا مؤذيا للناس. بل افتدى الناس وذهب هو. كما أعزي أم قاتل ابني وأعظم لها الأجر. لقد اختار ابنك خيرة الشباب وأنقاهم، ولو بذل جهده لينتقي لم يكن انتقاؤه بكل هذه الدقة، وأنا على معرفة تامة أن قلبكِ الآن كقلبي.. حزين وباكٍ. كما أعزي بهذا الفقد الكبير كل أهلي وأخوتي وأبناء عمومتي وأبناء وطني الغالي. مصابي مصابكم، وكلنا في خندق واحد.