قالت مجلة "المونتيور" الأمريكية، إن الغضب الذي عم الرأي العام في مصر بعد تصريحات المستشار محفوظ جابر وزير العدل السابق التي أعلن فيها عدم أحقية ابن عامل النظافة التعيين في القضاء، تعيد إلى الأذهان حادثة انتحار الشاب عبدالحميد شتا في 30 يوليو 2003. وأضافت "بعد تفوق شتا (البالغ من العمر 25 عامًا) على 42 شابا في امتحانات السلك الدبلوماسي بوظيفة ملحق تجاري في الخارجية المصرية، تم رفضه لأنه ينتمي إلى أسرة فلاح فقير أو لأنه غير لائق اجتماعيًا بحسب الخارجية". وأشارت إلى أن استقالة وزير العدل "جاءت استجابة للرأي العام في مصر الذي اعتبر تصريحات محفوظ حول ابن عامل النظافة عنصرية". وتابعت: "كان شتا قد قرر أن يلقي بنفسه من أعلى كوبري قصر النيل الشهير بوسط العاصمة، وربما لا تكون لحظة يأس بقدر ما هي لحظة قوة وإصرار أراد بها أن يصرخ في وجه هذا الظلم الواقع على الفقراء والتمييز بينهم وبين الأغنياء في تقلد الوظائف العامة". ورأت المجلة أن "ابن عامل النظافة أكد أن حظه ليس أوفر من شتا عندما لم ينتحر، لأن استقالة الوزير الذي أعلن عن عدم السماح بتعيينه في القضاء لن تشفع له ولغيره من أبناء الطبقة الكادحة أمام تلك المعايير الصارمة لبعض الوظائف المحرمة على الطبقات الفقيرة، ويعد الفيصل دائمًا في قبول المتقدمين إلى الوظائف في مؤسسات القضاء والسلك الدبلوماسي والشرطة وضع أسرهم الاجتماعية، وهي الحقيقة التي أكدها وزير العدل نفسه، عقب استقالته قائلا: "هذا هو الواقع، وأنا مقتنع به". وقالت إن "الاستغاثة التي أرسلها 138 من خريجي كلية الحقوق، دفعتي 2010- 2011، إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي في يونيو 2014 بسبب استبعادهم من قبل المجلس الأعلى للقضاء من تعيينات النيابة، رغم اجتيازهم جميع الاختبارات والمقابلات، لتؤكد أن انتحار "شتا" لإيصال رسالته للمسئولين لم يغير شيئًا من واقع التمييز عند تقلد الوظائف العامة". وعن التمييز الطبقي في تولي الوظائف في مصر، نقلت "المونيتور" عن الأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان حافظ أبو سعده قوله: "استقالة وزير العدل إن لم تكن قد عملت على تغيير واقع ابن عامل القمامة، وضمان حصوله على الفرصة ذاتها لبقية المتقدمين من أجل تولي وظيفة في القضاء أو في السلك الدبلوماسي، إلا أنها كانت مفيدة لأنها سلطت الضوء على قضية التمييز في تولي وظائف الدولة". وكشف أبو سعده عن انتهاء المجلس القومي لحقوق الإنسان من مشروع قانون لمواجهة التمييز بكل أشكاله، خاصة في تقلد الوظائف، والذي سيترجم المادة 53 من الدستور المصري ("التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون")، ويضع قواعد تعطي الحق لأي مواطن يتعرض إلى تمييز في رفع دعوى قضائية. وقال "النص القانوني يتضمن عقوبات جنائية، والقدرة على استرداد الحق في التعيين من خلال القضاء الإداري وإنشاء مفوضية للحماية من التمييز الاجتماعي، والقانون في انتظار انعقاد البرلمان الجديد لينظر فيه، وربما تشجع الواقعة الأخيرة الرئيس على استصداره قبل البرلمان". من جانبه، قال الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى في الشرطة اللواء ماهر حافظ "نركز على اللياقة الاجتماعية للمتقدمين إلى كليات الشرطة وذويهم حتى الدرجة الرابعة، ولاعلاقة للأمر بالفقر والغنى، وإنما بالبيئة حيث تربى بها المتقدم، لأنها وظيفة تتعلق بالسلم والأمن المجتمعي". وعن إمكان قبول ابن عامل النظافة لشغل وظيفة شرطي، قال: "بالفعل إنه أمر واقع بألا يقبل، ولكن ليس لأنه فقير، وإنما لأن طبيعة عمل والده تفرض عليه أن ينشأ في مجتمع الزبالين". وأضاف "المستوى الاجتماعي لا يعني المادي، وربما يكون جامع القمامة دخله أعلى من موظف بسيط، بينما يقبل ابن الأخير للتفوق ودماثة الخلق، وتصريحات صابر بشأن عدم ملائمة الوضع الاجتماعي لابن عامل النظافة لوظائف القضاء لم يكن يقصد بها إهانة مهنة عامل النظافة، وإنما كان القصد الاعتراض على البيئة التي تربى فيها والتي بالضرورة ستنعكس على أسلوبه وشخصيته". وعن الشروط المتعلقة بالوضع الاجتماعي عند الالتحاق بالعمل في السلك الدبلوماسي، قالت السفيرة منى عمر مساعدة وزير الخارجية الأسبق وكانت إحدى أعضاء اللجنة المعنية باختبارات القبول في الوزارة "بصراحة هذه القضية شائكة جدًا، فالمقابلة الشخصية تشكل عاملاً كبيرًا في نجاح المتقدم، والأمر يعتمد على الرؤية والتقويم الشخصي". وأضافت "أنا مقتنعة شخصيًا بأنه من حق أي شخص طالما تتوافر فيه الشروط التي تتطلبها أي وظيفة أن يشغلها بغض النظر من هو والده أو والدته، لكن الواقع في الممارسة كان يفرض في أوقات كثيرة أن يكون الوضع الاجتماعي أحد العوائق التي نواجهها عند الاختيار بين المتقدمين". وتابعت "هناك أمثلة تتعلق بما يفرضه الوضع الاجتماعي على شخصية المتقدم وتضع اللجنة في اعتبارها أنه سيمثل بلاده، ومنها طريقة التحدث والقدرة على التواصل، فمثلا هناك متقدمون يرفضون بسبب طريقة ارتداء ملابسهم، التي لا تناسب مع وظيفة في السلك الدبلوماسي، والمسألة في مهنة كالقضاء قد تكون لها علاقة بالتخوف من أن يفتح تعيين أبناء الفقراء باب الرشاوى لكونهم أكثر حاجة إلى المال". وأكدت أنه "لا توجد أي تعليمات تتعلق بالمكانة الاجتماعية تفرض على اللجنة المعنية بامتحانات القبول بالخارجية، فأحيانًا يكون المتقدم من أسرة مرموقة ويرفض، وقالت: "أبرز مثال على ذلك ابني شخصيا فهو من أسرة دبلوماسية عريقة، ومع ذلك لم ينجح في اجتياز امتحان الالتحاق بالخارجية مرتين" . http://www.al-monitor.com/pulse/en/originals/2015/05/egypt-jobs-meritocracy-favoritism-judiciary-parliament.html#