وزير الخارجية يعلق على دعوات الحرب مع إسرائيل خلال العدوان على غزة    متحدث الصحة: قانون 71 لسنة 2007 للصحة النفسية تأكيد على سرية بيانات متلقي العلاج    رمضان 2026 يشهد صراعًا دراميًا منتظرًا.. دُرّة وأحمد العوضي في قلب أحداث «علي كلاي»    حكيمي يوجه رسالة قوية لجماهير المغرب ويدعو للوحدة خلف المنتخب    خلال جولاته الميدانية.. محافظة الإسكندرية يشن حملة مكبرة بمنطقة باكوس وشارع سينما ليلى بحي شرق    حزب المحافظين يدعو لترحيل علاء عبد الفتاح من لندن.. والديهي ساخرا "خليه عندكم مش عايزينه"    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية عابود شمال غرب رام الله بالضفة الغربية    محافظ الفيوم يتابع غلق لجان التصويت في اليوم الثاني لانتخابات النواب بالدائرتين الأولى والرابعة    مدير مكتبة الإسكندرية يوزع جوائز المبدعين الشباب 2025    رئيس وزراء الصومال: نستخدم القنوات الدبلوماسية للدفاع عن أرضنا ووحدتنا    التشكيل الرسمى لقمة كوت ديفوار ضد الكاميرون فى بطولة كأس أمم أفريقيا    تامر أمين ينتقد أداء الأهلي بعد الخروج من كأس مصر: المشكلة غياب الروح    المستشار إسماعيل زناتي: الدور الأمني والتنظيمي ضَمن للمواطنين الاقتراع بشفافية    أشرف الدوكار: نقابة النقل البري تتحول إلى نموذج خدمي واستثماري متكامل    بوليسيتش يرد على أنباء ارتباطه ب سيدني سويني    تفاصيل وفاة مُسن بتوقف عضلة القلب بعد تعرضه لهجوم كلاب ضالة بأحد شوارع بورسعيد    تفاصيل اجتماع وزير الرياضة مع اتحاد رفع الأثقال    القضاء الإداري يسقِط قرار منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر    عاجل- رئيس الوزراء يستقبل المدير العام للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض ويؤكد دعم مصر لاستضافة الآلية الأفريقية للشراء الموحد    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    إيمان عبد العزيز تنتهي من تسجيل أغنية "إبليس" وتستعد لتصويرها في تركيا    سكرتير مساعد الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بمدينة دكرنس    تراجع أسواق الخليج وسط تداولات محدودة في موسم العطلات    نائب محافظ الجيزة يتفقد عددا من المشروعات الخدمية بمركز منشأة القناطر    أمم أفريقيا 2025| منتخب موزمبيق يهزم الجابون بثلاثية    شوط سلبي أول بين غينيا الاستوائية والسودان في أمم أفريقيا 2025    ترامب يعلن توقف القتال الدائر بين تايلاند وكمبوديا مؤقتا: واشنطن أصبحت الأمم المتحدة الحقيقية    هذا هو سبب وفاة مطرب المهرجانات دق دق صاحب أغنية إخواتي    جامعة بنها تراجع منظومة الجودة والسلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة    «مراكز الموت» في المريوطية.. هروب جماعي يفضح مصحات الإدمان المشبوهة    نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طنطا العام في الغربية    سقوط عنصرين جنائيين لغسل 100 مليون جنيه من تجارة المخدرات    محافظ الجيزة يشارك في الاجتماع الشهري لمجلس جامعة القاهرة    «اليوم السابع» نصيب الأسد.. تغطية خاصة لاحتفالية جوائز الصحافة المصرية 2025    وزير الإسكان: مخطط شامل لتطوير وسط القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات    نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    إسكان الشيوخ توجه اتهامات للوزارة بشأن ملف التصالح في مخالفات البناء    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    محمود عاشور حكمًا لل "VAR" بمواجهة مالي وجزر القمر في كأس الأمم الأفريقية    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    انطلاقا من إثيوبيا.. الدعم السريع تستعد لشن هجوم على السودان    قيادات الأزهر يتفقدون انطلاق اختبارات المرحلة الثالثة والأخيرة للابتعاث العام 2026م    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    أبرز مخرجات الابتكار والتطبيقات التكنولوجية خلال عام 2025    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    كييف تعلن إسقاط 30 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    لافروف: روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدمن "كلنا خالد سعيد" : السيسي خدعنا في 30 يونيو
نشر في المصريون يوم 21 - 05 - 2015

خرج الناشط عبد الرحمن منصور - مؤسس صفحة كلنا خالد سعيد - وصاحب أول دعوة للخروج في ثورة 25 يناير عن صمته كاشفاً ما حدث له قبل احداث 30 يونيو وما تلاها من إجراءات جعلته يعجل بتركه مصر والذهاب إلى الولايات المتحدة للدراسة هناك .
ولفت منصور إلى أنهم في 30 يونيو خرجوا لكي يضغطوا على الرئيس الاسبق محمد مرسي - الذي وصفه بأنه رئيس الجمهورية - من أجل جعله يقبل بانتخابات رئاسية مبكرة إلى أن قوى مضادة لثورة يناير أنقضت على الاحداث وحولوا مثار الاحداث في خديعة كبرى .
لقراءة نص البيان :

رسالة إلى أصدقائي وإلى كل مصري يؤمن بثورة يناير..
في يوم 19 أغسطس 2013 غادرت مصر وطعم المرارة والدم يملأ حلقي.
طعم المرارة بسبب إدراكي أن الثورة التي حلمت بها مع جيلي قد ذهبت إلى مسار أكثر سواداً من أي شيء تصورناه، لقد فشلنا في تحقيق كل ما تمنيناه.
وطعم الدم بسبب ذهولي من التصاعد السريع للعنف والكراهية، بدءاً مما حدث في الاتحادية، ومروراً بكل الاشتباكات بين أنصار الاخوان ومعارضيهم حتى بلغنا ذروة الدم بعد 3 يوليو، وانتهاءاً بأسوأ كابوس عشته في حياتي: فض رابعة.
نعم، لقد كنت موجوداً يوم الفض، 14 أغسطس، نزلت حين عرفت ببدء الفض وأعداد القتلى، كنت أجري كالمجنون بين الجثث والجرحى، أحاول المساعدة، لإسعاف جريح أو مداواة مصاب، بينما الرصاص يتطاير عشوائياً في كل اتجاه. لم يكن هناك ما أقدمه وأنا أشاهد جثثاً فوق جثث إلا البكاء، ومن خلف دموعي بينما أشاهد شوارع منطقة رابعة العدوية مكسوة بالدم، عرفت أن نار الكراهية لن تنطفيء وأن المزيد من الدم سوف يقع، هذه لحظة انسداد كامل للمسار، فقررت الرحيل فوراً.
حين شاركت حذرا في 30 يونيو كان اعتقادي أنها موجة شعبية من موجات يناير، تظهر مدى غضب الشعب من أسلوب حكم د. محمد مرسي وجماعة الإخوان، وترفع مطلباً واحداً بسيطاً: انتخابات رئاسية مبكرة. كان تقديرنا أن الإخوان قد بلغوا حالة من الضعف في مقابل الرفض الشعبي قبل 30 يونيو ستدفعهم إلى القبول بهذا الخيار، وهو إجراء دستوري وقانوني تماماً.
لكن جرى رفض معاند ومتكبر من جانب رئيس الجمهورية د. محمد مرسي وجماعة الإخوان، وجرى على الجانب الآخر خداع واسع لهذه الجماهير، و تم اختطاف اللحظة الثورية من قبل مجموعة تحمل مشروعا معاديا للثورة، وتم إفزاع الناس بتهويل وتخويف من الحرب الأهلية أو الإرهاب، ومورس عنف من أطراف مختلفة، أسوأها ما جاء من ناحية الدولة والعسكر المهيمنين منذ لحظتها على مفاصل الدولة، وزاد الأمر وظهرت حقيقته أكثر في لحظة أسموها جمعة التفويض ضد الإرهاب المحتمل، كانت عملية مقصودة غرضها المصادرة الكاملة لحركة الجماهير ولأي حديث عاقل عن ثورتنا ومطالبها، واشتعل الإعلام بتواهيم وادعاءات غرضها تخويف الناس مما يجعلهم يقبلون بأي تصرف من السلطة، وجرى تحريك آلة الإعلام والدعاية السوداء لتقوم بخداع واسع ومحاولة لحشد الناس على أرضية الخوف والفزع.
والغرض أن يغلق المجال العام، وتصادر مكتسبات ثورة يناير، وتنتهي حقبة كانت فيها الميادين والجماهير المحتشدة صوت الثورة لا صوت الثورة المضادة.
قبل لحظة الدم التي قتلت كل أمل في تعديل المسار، في الفترة بعد 3 يوليو، كان عندي أمل هش يحدوني في وقف الانحدار، ولعلي لا أذيع سرا بأنني قد شاركت بشكل شخصي مع آخرين في محاولة لفتح آفاق حوار مع الإخوان أثناء اعتصام رابعة العدوية للحديث عن حل سياسي للأزمة، دافعي ومن كانوا معي هو محاولة حقن الدماء. والحقيقة أن العناد كان وقتها سيد الموقف، أوصل الحال لطريق مسدودة؛ كلا الطرفين لم يكن راغباً في حلٍ سياسي يتضمن تنازلاً من طرفه، وكلا الطرفين كان قد شحن قواعده بخطاب شيطنة الآخر حتى أصبح عاجزاً عن تغيير ما أقنعهم به.
وهكذا استمر المسار في طريقه الأسود حتى أتت لحظة الدماء، وبها انفتح السيناريو المظلم، الذي لم يكن يجدي معه خرائط طريق ديمقراطية، أو حديث المصالحة. انكسرت السياسة أمام هراوة القمع، ورصاص القتل.
مع الدماء والملاحقة قررت والكثيرين ممن في مثل حالي أن نهجر البلاد، يلزمنا شعور العجز والهزيمة الصمت. كانت لحظة انكسار، قررت عندها الرحيل. كنت قبلها بفترة قد تقدمت لبرنامج دراسي في إحدى جامعات الولايات المتحدة، وبعد مذبحة رابعة قمت بتسريع السفر عاجزاً وآملا.
الصمت كان خيارا مرا، لكن أي حديث كان سيجدي، وآذان من بيدهم الأمر لا تسمع، والناس قد عبأوا وكلٌ في فريقه يدفع نحو المزيد من الشحن والتصعيد. حتى صفحة "كلنا خالد سعيد" لم تكن بقادرة على فعل شيء، قررت وفريقها ألا نُفعّل الصفحة، فالحال قد أصبح كارثيا، والاستقطاب الدموي يستهدفنا، كل طرف أصبح يعتبرنا عدواً له، ونالنا كم رهيب من الهجوم؛ بعضه من الإخوان معتبرين إيانا مسئولين عن دمائهم التي سالت، ومن الجانب الآخر الذي رآنا مسئولين عن الصعود السياسي للإخوان أصلاً، هذا الجانب نالنا منه الأذى الأكبر، ليس فقط سباباً وتشنيعا، ومحاولات واسعة لاغتيال السمعة وتلفيق الاتهامات والتشكيك في الوطنية، بل امتد الأمر لإذاعة مكالمات سربتها أجهزة أمنية، وحقيقة أؤثر ألا أسرد تفاصيل الترهيب الذي تعرضت له بشكل شخصي.
قررت تأجيل أي حديث، خوفاً من أن أتورط في نبرة وعظية لا يسمعها أحد، في فترة غاب عنها العقل، وبات الكلام بلا جدوى، ونتاجه الحتمي هو تحصيل المزيد من الهجوم.
ربما سيختلف البعض معي حول توصيفي للأحداث الماضية، وحول المواقف التي اتخذتها منذ يناير 2011 وحتى الآن. بداية لا أدعي بحال أنني لم أخطئ، فالنقد الذاتى أقوم به دوما، وأراه واجبا وشرطا لازما لأى فعل جاد، كما لا أزعم أبداً أن تقديري السياسي هو التقدير الصحيح، فالسياسة متغيرة وغير يقينية، لكن الإنسانية ثابتة. لذلك ما أعرفه يقيناً هو أن رفض القمع والقتل مبدأ يحدد إنسانيتنا وثوريتنا، وليس محل لوجهة نظر، وما نحن فيه الآن لا يمكن وصفه بأي وصف غير أنه استبداد وظلم يفوق حتى ما ثرنا عليه في يناير.
الآن وبعد عامين من التخبط والفشل، وبينما تهل علينا الذكرى الخامسة لاستشهاد خالد سعيد بعد أسبوعين، لم يعد الصمت ممكناً على ما يجري في مصر، فاستمرار المسار الحالي يهدد بكارثة رهيبة، انهيار للدولة، وتفريغ لمعنى وجودها، وتوريط لمؤسسات يفترض فيها الحياد في الأزمة السياسية.
بتنا نرى مشروعات وهمية وبالونات إعلامية تحوطها، ونموذج رديء لصنع زعامة فارغة للسيسي، وانحدار بالعدالة لدرك مظلم يقوم فيه القضاة بإصدار احكام انتقامية شمل إعدامات جماعية جعلتهم مثار دهشة العالم كله، وأعاجيب مثلما عايناه في قضية الهروب من وادي النطرون التي شملت أحكام الإعدام أسماء موتى وأسير لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 20 عاماً.
والآن وبعد أن انخفضت إلى حد كبير موجة التأييد الهستيري لمشروع مرشح المؤسسة العسكرية، أدرك قطاع كبير من التيار المدني أن القمع الذي تعرضوا له بعهد السيسي أكبر مما تعرضوا له بعهد مرسي، سواء ما يخص إعتقال الشباب النشطاء من أصدقائنا وإصدار الأحكام المشددة عليهم، أو ما يخص التضييق على عمل الأحزاب والحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني وإغلاق المجال العام كما لم يحدث من قبل .
لكن مؤيدو النظام أصبحوا يتحدثون عن أنه "أرحم من سوريا والعراق"، رغم أن هذا الطريق في الحكم الأمني هو بالضبط ما انتهجه آل الأسد في سوريا، وصدام في العراق، والقذافي في ليبيا، لذلك وقف هذا المسار هو بالفعل أكبر عمل وطني يمكن القيام به لإنقاذ الدولة.
كيف نكسر هذه اللحظة؟ هذا هو السؤال الذي بات يشغلني. كيف نحول دفة الأمور من المسار الكارثي الذي أسهمت فيه كل القوى بلا استثناء، بما فيهم شباب الثورة، بأنصبة متفاوتة، وإن كان نصيب السلطة هو الأكبر بينها، سواء سلطة الإخوان العنيدة، أو السلطة الحالية الأكثر عناداً وقمعاً وتجبراً على الإطلاق؟
رغم ما في الواقع من صعوبات وانسداد لأفق السياسة، وتراكم لأسباب الشقاق، لا زلت أبحث عن أمل. صحيح أرانا في اللحظة الراهنة في حال متكلس؛ لم ينتصر أحد، لا الفلول ولا نظام السيسي ولا القوى المدنية ولا الإخوان ولا الشباب. وبتنا جميعا في صراع للمهزومين الجميع موروط فيه، ولابد من تفكير جدي في تغيير الحال، والبحث عن مخرج معقول. مخرج بات ضروريا، ليس من أجلنا لكن من أجل أولئك الذي فقدوا ثقتهم في الثورة، وفي السلطة وفي السياسة، أولئك الذي خرجنا باسمهم في يناير، ولم يروا عبر السنوات الماضية إلا انحدارا، وكفروا بمعنى الثورة والحرية والعدل الاجتماعي.
لا أملك مفتاحا سحريا للخروج، لكنني أحاول التفكير بصوت عال، وأدعوكم جميعا أن تفعلوا. ما لدى هو رؤوس أقلام لنفكر فيها:
- أعتقد أن من كان سبباً في المشكلة المعقدة لا يمكن أن يكون جزءاً من الحل، لذلك سيبدأ التغيير من إزاحة قادة الصف الأول من الأطراف التي أودت بنا الى هذه اللحظة المتدهورة.
- لا ينبغي أن تشمل أولوياتنا الجدال حول الماضي، سواء حول من المتسبب الأكبر في تعثر المسار، أو الجدل حول توصيف 30 يونيو أكانت ثورة أم إنقلاب أم موجة ثورية جرى الإنقلاب عليها. الأهم الآن أن نتجادل حول المستقبل، حول رؤية يمكن للجميع التعايش وفقا لها. لم يعد مهماً الجدال حول من الذي يجب أن يعترف بخطئه ويعتذر، سيبقى كل طرف متمسكاً بروايته المنطقية بالنسبة له، لكن المهم هو كيف يدار الخلاف ونعبر الواقع المأزوم؟
- النقد الذاتى الصريح والمتأنى بما فى ذلك مراجعة المشاريع السياسية للتيارات نفسها هو مفتاح بناء جسور الثقة بين قوى واهنة داخل وطن يتمزق بالفعل. موقن أنه لا أنا ولا غيري نملك الحق المطلق سياسياً، وبالقدر ذاته متيقن من أولوية الانحياز الانساني، برفض قتل الناس أو تعذيبهم أو ظلمهم أو إفقارهم. وفي هذه اللحظة يجب فصل الخيارات السياسية عن الخيارات الانسانية.
- المطلوب الآن هو إعادة الالتئام لقوى الثورة، وإحياء دور شبابها واستراتيجيات العمل السلمي، حتى في مواجهة نظام قمعي، حتى والكثير من فاعلي هذه الثورة بين مسجون أو مشغول بالدفاع عن مسجون. نحتاج أن نقدم للناس بديلاً مطمئناً ومقنعاً.
- بالتأكيد سنحتاج لاحقا الوصول إلى تسوية كاملة لجراح الماضي، والتجارب الدولية تشير لخيارات متعددة في ذلك، بين العفو العام عن جميع الأطراف، أو بقانون محاسبة عامة تقوم به لجنة تحقيق دولية ضد الجناة من كل الأطراف، أو حتى بقانون يجمد ملف المحاسبة لعدد من السنوات بحيث نسمح للمسار السياسي أن ينضج ويكتسب زخمه المطلوب
- لابد من خلق مساحة جديدة للفاعلية السياسية لا تقوم على القمع أو الاحتكار والإقصاء، وللأسف لا يدور في ذهني مع هذه المسألة إلا نموذج لبنان بعد الحرب الأهلية، أصدر البرلمان قانوناً للعفو العام عن كل الأطراف، واحتفظ الجميع بمراراتهم وعداءاتهم ومواقفهم وحتى تبادل السباب والقصف الإعلامي، لكن كل ذلك على أرضية من التعايش السلمي وضمانات كاملة لحقوق وحريات وشراكة الجميع. الناس في مصر تستحق مشروعاً يعيد لبلدهم السلام والاستقرار والتقدم والحرية ويعكس في الآن ذاته طموح الثورة وجيلها.
- يجب على الجميع سواء من السلطة أو في المعارضة، أن يدركوا أن هذا البلد سيظل فيه الآخرون، وكل طرف حر في استمرار ما يكنه من بغض للآخر كموقف نفسي، لكن لا يجب أن يتحول ذلك لموقف سياسي اقصائي. المبدأ الضروري هو أن نعترف بحق الجميع في الوجود والحرية والمشاركة دونما تمييز، وننهي منابذات التشكيك في الوطنية، والمعتقد، نوقف ذهنية التكفير الوطني والديني. لقد ثرنا لأجل وطن يجتمع الكل فيه دون اقصاء او تخوين.
-- لا فارق بين من يشكك في دين أي مختلف عنه، ومن يشكك في وطنية أي مختلف عنه، ووصم الآخر بأنه علماني كافر لا يختلف عن وصمه بأنه خائن عميل .. ثرنا لأجل وطن يجمع الكل دون تكفير او تخوين، واضطررنا للابتعاد في لحظة ساد فيها التكفير والتخوين فوق أي صوت آخر.
- مشروعنا هو انقاذ الدولة المصرية والحفاظ على مؤسساتها. وأول الطريق في هذا هو تحييد مؤسسة الجيش عن السياسة، وصونها لمهمة الدفاع عن الوطن وحفظ أمنه القومي، ومثله ابعاد مؤسسة القضاء عن التسييس، وأحكامه المملاة، وصون آلة العدل من التطييف، واعتبار نفسها حزبا سياسيا.
- إن بقاء هذه الدولة ومؤسساتها بات رهيناً بإيجاد حل فوري للأزمة السياسية، وهذا الحل لن يتأتى في ظل تصاعد العنف والعنف المضاد، والهجوم على مؤسسات المجتمع المدني وتهديد العاملين فيها، وغلق المجال أمام أي عمل سياسي منظم بدعوى الحرب على الإرهاب. وهي الحرب التي لن تنجح حقيقة إلا بتكاتف واقتناع الأطياف السياسية أنها حرب نظيفة وعادلة ومحترفة تواجه فيها القوات المسلحة قوى الإرهاب المسلح بدون توظيف المعركة لأغراض سياسية وبلا اعتداء على المدنيين وبلا عقاب جماعي.. وإن امتداد المعركة وتعقد وتشابك الوضع في سيناء خير دليل على هذا الفشل.
- لا يمكن أن يحدث أي تقدم حقيقي لمصر، فيما يقبع الآلاف من أفضل شبابه من كل الأطياف داخل السجون، لا لشئ سوى أنهم حلموا في وقت ما ببلد أفضل، ولا يمكن أن يحدث اي تقدم فيما تعادي أطراف عديدة داخل الدولة، الشباب بشكل صريح، وفي الوقت الذي تنهال عليهم الأحكام القضائية الانتقامية، في محاولة لحبس الطاقة الحيوية للبلد، عن التفاعل السياسي، بينما الفاسدون والقتلة يخرجون من السجون ويستعيدون مكانتهم ويتحضرون للمشاركة السياسية، بينما لا يجد طلبة الجامعات من الدولة ما تقدمه لهم سوى الرصاص والمعتقلات كلما رفعوا أصواتهم طلبا للعدالة والحرية
كلما اشتد ضيق الأزمة أتذكر معجزة 25 يناير، ولم يكن أحد قبلها يتوقع أن ينزل 10 آلاف مصري في مظاهرة، وكان مسار توريث الحكم من مبارك لابنه في نظر الكثيرين محسوماً، ثم جاءت معجزة اسمها الشعب. وصنع ما أذهل العالم.
. لا أحد يمكنه أن يتوقع ما سيحدث في مصر، وكل السيناريوهات مطروحة، فقط علينا السعي وعدم اليأس.. والمستقبل لنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.