كنت أتلمس طريقي في عالم الصحافة عندما انتحر عبدالحميد شتا في صيف عام 2003، صدمت كما صدم أغلب المصريين بالخبر؛ لكن ربما كانت صدمتي أكبر لاسيما وأنني راقبت هذا الشاب النابغة الهادئ، الملتزم بتأدية الصلاة في أوقاتها لمدة عام كامل. ذلك لأنه لم يكن يفصل بين حجرتي وحجرته سوى عدد قليل من الغرف داخل مبنى المدينة الجامعية لجامعة القاهرة، وكنا في الفرقة الرابعة آنذاك. شتا الحاصل على بكالورويس الاقتصاد والعلوم السياسية بتفوق في عام 2000 ميلادية، كان يطرق أبواب غرفنا نحن طلبة كلية الإعلام الذين ساقهم حظهم العثر لجيرته بكل لطف وأدب معتذرا وخافضا صوته يرجونا أن نعمل على تقليل مصادر إزعاجنا لأنه يريد أن يستعد للامتحانات جيدا، فقد كان شابا مجدا مهذبا قليل الكلام محافظا للغاية على هندامه حتى داخل المدينة الجامعية التي كنا نرتدي فيها ما يصلح لوضعه في جاليري ساخر. عبدالحميد شتا لم يكن يعلم أن "غير لائق اجتماعيا" هو اللافتة الأبرز على واجهة عدد من الوزارات والهيئات الحكومية في مصر، لذلك كانت صدمته كبيرة حينما رفع الشعار في وجهه حينما تقدم لشغل وظيفة بالخارجية وهو الذي اجتاز كل الاختبارات التحريرية والشفهية بامتياز. تذكرت كل ذلك وأنا أرى الشعار ذاته يرفعه هذه المرة وزير العدل المستشار محفوظ صابر في وجه المجتمع كله، حينما قال إن "ابن الزبال لا يصلح أن يكون قاضيا"، كلمات قاسية وصادمة وعنصرية بالقطع، لكنها الحقيقة التي رسمها هو في بورتريه جديد تتقاطع فيه صورة ابن الزبال مع منصب القاضي ووكيل النيابة والدبلوماسي وقد حال بينهم ألوان قاتمة تشير إلى "وأد الحلم" في عقول وقلوب الشباب. من منا لم يحلم وهو في دراسته الثانوية أو الجامعية بأن يصير كذا أو كذا؟ كيف سيحلم هؤلاء الشباب الآن والمسؤولون يغلقون أمامهم كل أبواب الأمل؟ نعم كنا نحن أيضا ندرك هذه الحقيقة لكننا كنا نحلم بكسرها باختراقها بأن نجد بصيصا نسير على هديه، لكن الآن ومع هذه التصريحات الرسمية من أين سيجد الشباب بصيص الأمل؟ وكيف سيقنعهم آباؤهم بالمحاولة والسعي وقد صفع السادة الوزراء كل الأبواب خلفهم اللهم إلا بابا واحدا اسمه "ابن من". أكاد أسمع صرخة عبد الحميد شتا – رحمه الله – من قبره وهو يذكر السادة المسؤولين بأن عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين؛ الرجل الذي ازدهرت في عهد الدولة الإسلامية حتى أن الحبوب كانت توضع للطير على سفوح الجبال بعدما امتلأت بيوت مال المسلمين، كان ابن "بائعة اللبن". وفي التاريخ الحديث عمل ليندون جونسون في شبابه زبالا، وهو الذي حكم الولاياتالمتحدة في ستينيات القرن الماضي، كذلك كان لولا دا سيلفا رئيس البرازيل السابق وقائد نهضتها الحديثة ماسحا للأحذية في شبابه. ليس وزير العدل فقط من هو بحاجة إلى مراجعة ثقافته ومنطلقاته ولكن مع الأسف كثير من شرائح المجتمع التي تنظر إلى غيرها نظرة دونية لا تستقيم مع معاني العدل والإنصاف والمساواة والرحمة.