حدَّد الإخوان موقفهم من حكومة عون الخصاونة، بصورة دقيقة، فقد رفضوا المشاركة فيها، مع إبداء روح إيجابيَّة ومتعاونة مع الرجل، والحرص على تحقيق هدف عبور المرحلة الانتقاليَّة من خلال التعديلات الدستوريَّة والانتخابات البلديَّة والنيابيَّة. كانت موافقة الإخوان على المشاركة محفوفة بالمخاطر والمتاعب، فبالرغم من "الرسائل الطيبة" التي أبداها مطبخ القرار تجاه الانفتاح السياسي، إلا أنَّنا ما نزال في طور "النوايا"، إلى حين ترجمة ذلك على الأرض، ودخول وزراء من "الإخوان" إلى الحكومة لن يغيّر شيئًا، إلا إذا كان هنالك قرار بتغيير "المعادلة" الحالية التي أنتجت الأزمات، وهو ما يتطلب وقتًا للتأكّد منه. وعلى الأغلب، سيكون "وزراء الإخوان" هدفًا سهلًا، وفي مرمى النار، سواء من خصوم الجماعة أو من داخل البرلمان الذي يكتظّ بعدد كبير ممن يحمّلون "الجماعة" مسئوليَّة إسقاط البرلمان في الشارع، والتعجيل برحيله. بالرغم من تصريحات الرئيس الجيّدة، في البداية، إلا أن المحك الحقيقي في رؤيته ل "سقف الإصلاح"، وما تسرّب من لقائه بالإخوان وعدد من السياسيين لا يطمئن، فقد عرض على الإخوان العودة إلى نظام ال (89) فقط، من دون القائمة الوطنيَّة، التي تمثِّل مطلبًا لأغلب قوى المعارضة، وهو ما سيخلق أزمةً مع الحراك السياسي في أقرب وقت. بلا شك، من مصلحة الإخوان أن يقبلوا بنظام ال (89)، فهو من أفضل الأنظمة الانتخابيَّة للجماعة، لكن وصولهم إلى "صفقة" مع الدولة على هذه القاعدة سيؤدي إلى انقسام الحراك الشعبي واتهام الإخوان بالانتهازيَّة والانقلاب على مطالب الشارع، وهو ما تجنّبه الإخوان عبر التأكيد أنَّه بالرغم من أنَّ هذا النظام يخدمهم انتخابيًّا، إلا أنَّ هنالك "شركاء" في الشارع لا بدَّ من التوافق معهم على النظام المطلوب. ما يقلق، أيضًا، أنَّ إعلان الخصاونة نيته "إعادة" فتح ملف التعديلات الدستوريَّة يأتي – وفق مصادر مطّلعة- ليس لرفع سقفها، بل للتخلُّص من "اللغم" الذي زرعته اللجنة القانونيَّة في مجلس النواب بوضعها قيدًا في حال نسّب رئيس وزراء بحل مجلس النواب (في المادة 74) فعليه أن يستقيل خلال أسبوع، وألا يعاد تكليفه بتشكيل الحكومة التالية، وهو قيد لم يُرض "دوائر القرار"، رغم أنّه "ضمانة" جيدة لبناء قدر من التوازن بين السلطات. مشاركة الإخوان في الحكومة في ظلّ "الضبابيَّة" الحالية ستكون بمثابة "مغامرة سياسيَّة" شديدة، لذلك اكتفوا بإبداء قدر من الإيجابيَّة والانفتاح والتعاون مع الحكومة، تمهيدًا للعودة عن قرار مقاطعة الانتخابات البلدية والدخول إلى الحياة النيابية من جديد، بعد التأكّد من الضمانات بانتخابات نظيفة وتوافقية، وهو موقف ذكي ومحنَّك. المشاركة المطلوبة للإخوان في الحكومات ليست وفق "الطريقة" الحالية من التشكيل، بل في سياق حكومات ذات لون سياسي واضح وبرنامج اقتصادي محدَّد، وبعد أن يكون الإخوان ممثلين في مجلس النواب، ولديهم حضورهم في المؤسسات الأخرى، مثل البلديات، هذه هي القاعدة المتينة للمشاركة المطلوبة. إلى الآن؛ انصرفت جهود "مطبخ القرار" إلى إدخال الإخوان في الحكومة، بعد أن تمَّ تأجيل لقاء الديوان الملكي معهم، المطلوب ألا يختزل الحوار مع الجماعة عند هذا المستوى فقط، بل أن يكون استراتيجيًا ويشمل "حزمة" كاملة من التفاهمات والالتزامات للخروج من "فجوة الثقة" الحالية، والتوافق على رؤى تؤسِّس لقواعد متينة من علاقة الدولة بالجماعة. بالتأكيد، المطلوب -حصريًّا- قواعد على أرضيَّة الديمقراطيَّة والتعدديَّة، كما هي الحال مع القوى السياسيَّة المختلفة، لكن "خصوصيَّة الإسلاميين" في المشهد العربي عمومًا تتطلب "ضمانات" متبادلة للخروج من الفزّاعات التقليديَّة المستخدمة، وبناء نموذج وطني تقدُّمي. المصدر : الإسلام اليوم